عاجل

نيابة عن وزير الأوقاف. البيومي: جيل ألفا ليس فئة زمنية بل تحول إدراكي كامل

الدكتور محمد عبد
الدكتور محمد عبد الرحيم، الأمين العام للمجلس الأعلى

أكد الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، على أن المنهج الأزهري الرصين هو صمام الأمان الفكري والحضاري ومنارة التوازن بين الأصالة والانفتاح، والسبب في قوة ومتانة المنهج الأزهري على مدار أكثر من ألف عام تكمن في ثبات مرجعيته وعمق قراءاته للنصوص وانضباطه في فهم الدين؛ جاء ذلك خلال كلمته في افتتاح المؤتمر الدولي الحادي عشر لكلية التربية للبنين بالقاهرة، الذي يقام تحت عنوان: "الجيل ألفا والتربية صناعة المستقبل وقيادة التغيير" التي ألقاها نيابة عنه الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

وزير الأوقاف: جيل ألفا ليس فئة زمنية بل تحول إدراكي كامل

ونقل البيومي للحضور جميعا تحيّات معالي الوزير، وتقديره البالغ لانعقاد هذا المؤتمر الرائد، ودعمه لكل جهدٍ علميٍّ رصين تنهض به جامعة الأزهر، ولما تبذله كلية التربية من جهدٍ كريم في خدمة المعرفة وصناعة المستقبل، تحت الرعاية الكريمة لصاحب الفضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر حفظه الله.

وقال البيومي: إن اجتماعنا اليوم تحت هذا السقف العلمي المبارك، وفي رحاب الأزهر الشريف، ليس اجتماعًا عابرًا؛ بل هو لحظة فارقة يتلاقى فيها الماضي الممتد بالحكمة، مع المستقبل المفتوح على اتساع آفاقه، لنقف أمام سؤال بالغ الأهمية:
كيف نصنع مستقبل جيل "ألفا"؟ وكيف نُعِدُّه لقيادة التغيير في عالم تتسارع خطاه؟

إن جيل "ألفا" ليس مجرد فئة زمنية جديدة، بل هو تحوُّل إدراكي كامل؛ جيل وُلِد في قلب العاصفة الرقمية، حيث تتدفّق المعلومات بلا سقف، وتتغيّر النماذج المعرفية كل يوم، وتتناقص المسافات الفاصلة بين الواقع والافتراض، وبين الفكرة وتحوّلها إلى سلوك.

إن هذا الجيل يعيش في عالم صارت فيه الشاشة نافذة الوجود الأولى، وصار الذكاء الاصطناعي جزءًا من بيئته التربوية، لا أداةً فحسب، بل شريكًا في تشكيل الوعي.
ولذلك فإن أمامنا تحديات جوهرية:

أولاً: تحدي العمق الإدراكي وتشتت الانتباه
كيف نعيد لهذا الجيل القدرة على التفكير الهادئ في عالم كله ضجيج؟
كيف نعلّمه بناء المعارف المتراكمة، في زمن يتغذّى على السرعة والتجزئة؟

ثانيًا: تحدي اليقين والمرجعية
في عالم تتعدد فيه الأصوات وتتباين فيه المرجعيات، لا يكفي أن نملأ العقول بالمعلومات، بل يجب أن نبني ميزانًا فكريًّا وأخلاقيًّا يزنون به ما يعرض عليهم، فيميزون الأصيل من الزائف، والجوهر من البريق الخادع.
وهذه المهمة، في حقيقتها  ليست مهمة تعليم فحسب، بل مهمة صناعة الوعي، وإعادة الإنسان إلى مركزه الصحيح.

وبين هذه التحديات، يتجلى المنهج الأزهري الشريف بوصفه صمام الأمان الفكري والحضاري، ومنارة التوازن بين الأصالة والانفتاح، مشيرا إلى أنه يقوم على ثلاثة أركان محكمة أولها التجذر في الأصالة فإن قوة الأزهر تكمن في ثبات مرجعيته، وعمق قراءاته للنصوص، وانضباط مناهجه في فهم الدين، وهذا الجذر المتين هو الذي يمنح جيل "ألفا" وقار الفكر ويقين الروح.

ثانيها: الانفتاح على العصر فالوسطية ليست انكماشًا، بل هي قدرة على التجديد والمواءمة: أن نُعلّم هذا الجيل أن التكنولوجيا ليست خصمًا للدين؛ بل وسيلة لتحقيق مقاصد الشريعة في عمارة الأرض.

ثالثها: وهو المهم ويكمن في إنسانية الخطاب وضبط الانحرافات الفكرية والسلوكية
إن العقلية الأزهرية عقلية تصالح، لا صراع؛ وعقلية حوار، لا إقصاء؛ وهي بذلك تسهم في بناء جيل يواجه الغلو والانحراف بكافة أشكاله التقليدي منها والإلكتروني، بالوعي والنور.

وأوضح البيومي أن صناعة التغيير في جيل ألفا تكمن في التربية كما نؤمن بها، والتي هي مشروع بناء وعي، لا مجرد تلقين ومعلومات.

وعليه فإن كليات التربية عليها مسؤولية ثلاثية الأبعاد
الأولي بناء الشخصية المتوازنة والقوية، فجيل "ألفا" بحاجة إلى مربٍّ لا يقدّم الخريطة فقط، بل يقدّم البوصلة؛ مربٍّ يُعلّمه كيف يفكر، لا بماذا يفكر؛ يصحب الجيل إلى نضج الفكر وقوة الأخلاق.

الثانية تنمية التفكير الناقد الأخلاقي

الحكمة ليست في النقد الهدام؛ بل في النقد المبني على الأدب والاحترام والبصيرة، ليتمكن هذا الجيل من تصفية سيول المعلومات، والتمييز بين الحقيقة والزيف.

الثالثة وهي ربط التكنولوجيا بالغايات العليا خاصة أن التفوق العلمي لا يكتمل إلا بتوازن روحي، وإن التكنولوجيا مهما بلغت  تبقى وسيلة، لا غاية.

ونوه البيومي إلى أننا نريد جيلًا يحمل في يده نور الأخلاق وفي الأخرى بريق المعرفة، جيلاً يقيم الجسر بين الأصالة والحداثة بلا صراع ولا تناقض.

وأوضح البيومي أن التجارب علمتنا  أن الأمم التي استعصت على الذوبان في ماضيها، هي القادرة على صناعة المعجزات في حاضرها، والمستحقة للخلود في مستقبلها، مشيرا إلى أن لم يكن ليتحقق إلا بالوعي، وبالإيمان بأن الله تعالى وعد بحفظ هذا الدين، حفظًا يمتد أثره إلى الأمة التي تحمله فقال تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ لافتا إلى أن مصر أرض الكنانة والمكانة ستبقى بإذن الله قلبًا نابضًا للحضارة، ما دام أبناؤها يحملون هذا الإرث العظيم، ويواصلون حمل رسالته.

وفي ختام كلمته، أشار إلى أن هذا المؤتمر ليس نهاية، بل بداية لمسار ممتد من التعاون والعمل المشترك لصناعة مستقبل جيل «ألفا»، جيل تمتدّ خطاه بثقة، ويقوده العلم، وتحميه القيم، ويضيئه هدي الوحي، وتمنحه مصر قلبها الواسع ليصنع غدها المشرق.

وتقدم باسم وزير الأوقاف بأسمى آيات الشكر والتقدير إلى الجامعة العريقة، وإلى كلية التربية، وإلى السادة الباحثين والمشاركين والمنظمين، ولكل يدٍ ساهمت في إخراج هذا المؤتمر إلى النور، سائلًا الله -عز وجل- أن يسدد خطانا جميعًا، وأن يجعل هذا المؤتمر مباركًا في أثره، واسعًا في خيره، نافذًا في توجيهاته، وأن يحفظ مصرنا الحبيبة وشعبها وجيشها وأزهرها الشريف من كل سوء.

تم نسخ الرابط