تفخيخ الفلاحين..أرض الوقف تشعل أزمة بين الأوقاف والمزارعين بالقرى (تقرير شامل)
في الوقت الذي يواجه فيه الفلاح المصري واحدة من أصعب المواسم من حيث ارتفاع تكاليف الزراعة وتراجع أسعار المحاصيل، انفجرت أزمة جديدة أشعلت الجدل في الأوساط الزراعية بعد إعلان وزارة الأوقاف رفع القيمة الإيجارية لأراضيها إلى مستويات غير مسبوقة، القرار الذي فاجأ آلاف المستأجرين، ينذر بتداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة، إذ يخشى كثير من الفلاحين أن يصبحوا عاجزين عن مواصلة الزراعة أو الحفاظ على أراضيهم التي ورثوها جيلاً بعد جيل.
أراضي الأوقاف
وبينما تؤكد الأوقاف أنها تبحث عن “تحقيق العدل وحماية أموال الوقف”، يرى الفلاحون أن الزيادة جاءت صادمة وغير متناسبة مع الواقع الزراعي الحالي، لتفتح الباب أمام أزمة تهدد الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي في الريف المصري.
وفي التقرير التالي يرصد لكم موقع نيوز رووم، التفاصيل الكاملة لأزمة أراضي الأوقاف والفلاحين:
أزمة أراضي الأوقاف
قالت وزارة الأوقاف أنها تتابع باهتمام واحترام تفاعلات بعض المواطنين وبعض وسائل الإعلام الوطنية وغيرها مع قراراتها الحديثة بشأن إعادة النظر في عدالة القيم الإيجارية المعمول بها في العلاقات التعاقدية التي تجمع هيئة الأوقاف المصرية بأطرافها الكرام من المواطنين المصريين. واحترامًا لحق المواطن في المعرفة، واستجابةً لاستفسارات الزميلات والزملاء من الأوساط الصحفية والإعلامية، وبيانًا لما يمكن تبيانه من جوانب العمل المدروسة التي أثمرت تلك القرارات.
وتوضح وزارة الأوقاف في بيانها التالي:
أولاً: أن الوزارة -ممثلةً في هيئة الأوقاف- مؤتمنة على إدارة العيون الوقفية وأموال الوقف بمقتضى القانون؛ فالوقف مال الله، والأمانة معقودة على الوزارة أن تتعامل بأقصى قدر ممكن من المهنية والمسئولية في القيام بواجب الأمانة.
دراسة جميع جوانب العلاقات التعاقدية
ثانيًا: أن الوزارة -ممثلة في الهيئة- عكفت منذ التغييرات الإدارية الإيجابية في إدارتها على دراسة جميع جوانب العلاقات التعاقدية، وحصر الأعيان الوقفية وتسجيلها، ومداواتها مما شابها من تراخٍ أو سوء إدارة طال أمده.
ثالثًا: أن الوزارة -في سبيل تحقيق المطلوب- شكلت لجنة من خبراء الزراعة من أبناء الهيئة، وكلفتهم بتكليفات ميدانية محددة وواضحة؛ لاستجلاء جوانب الحق والعدالة، ورفعها إلى إدارة الهيئة.
رابعًا: أن عمل اللجنة المذكورة كشف عن عوار كبير في عدد من العلاقات التعاقدية والقيم الإيجارية المترتبة عليها في الأراضي الزراعية، بما أفضى إلى إهدار مال الوقف، ومساس بأمانة المسئولية، فلزم -والحال هذه- التدخل لإعادة التوازن الشرعي القانوني المطلوب لتلك العلاقات. ولا نظن أن أحدًا يرضى لنا التقصير أو التفريط في القيام بشئون أي وقف ورعايته وتعظيم الاستفادة منه قيامًا بالأمانة بين يدي الله.
خامسًا: أن عمل اللجنة ترتب عليه اتخاذ قرارات تصحيحية تعيد التوازن لمسارات العلاقات التعاقدية في استغلال الأراضي الزراعية، وإعادة هيكلة منظومتها الإيجارية بما يحقق جانبًا من العدالة المرجوة والتوازن المطلوب بين احتياجات المستأجرين ومقتضيات حُسن إدارة الوقف.
قرارات الهيئة مبنية على زيارات ومعاينات مستفيضة
سادسًا: أن القيم الإيجارية الصادرة بها قرارات الهيئة مبنية على زيارات ومعاينات مستفيضة من لجنة مركزية وإقليمية بالهيئة، أعقبها لقاءات مع المختصين في كل منطقة من مناطق العلاقات التعاقدية على مستوى الجمهورية، وتدعيم لما انتهوا إليه من قيم إيجارية عادلة ورحيمة، وأعقب ذلك تقسيم الأراضي من حيث القيم الإيجارية المستحقة عنها إلى أراض من الفئة الممتازة، والفئة الجيدة، والفئة المتوسطة، والفئة الضعيفة؛ وذلك وفق مساحاتها وجودة تربتها وأماكنها وقربها من الخدمات وما إلى ذلك من اعتبارات مرعية، ثم تحديد القيم الإيجارية بتفاوت مناسب بين تلك الفئات تحقيقًا للعدالة المطلوبة.
سابعًا: أن الوزارة -ممثلة في الهيئة- حرصت على إنفاذ توجيهات الوزير بمراعاة القائمين على زراعة مساحات مفتتة بالغة الصغر؛ حرصًا على معايشهم وعلى امتداد عملهم في تلك الأراضي المفتتة لأجيال.
أسباب زيادة عقود القيمة الإيجارية الخاصة بأراضي الهيئة
كشف الدكتور أسامة رسلان، المتحدث الرسمي باسم وزارة الأوقاف، أسباب زيادة عقود القيمة الإيجارية الخاصة بأراضي الهيئة، موضحا أن القرارات الأخيرة تستهدف تعظيم الأصول ودعم الفلاحين.
وقال رسلان، إن وزير الأوقاف أجرى تغييرات مؤثرة داخل الوزارة من أجل تعظيم الأصول، كما أصدر قرارًا للتعامل الرحيم مع أصحاب الملكيات المفتتة، من قيراط حتى 3 أفدنة، لافتًا إلى أن الوزارة قدمت حجم استثمار كبير للفلاحين خلال الفترة الأخيرة.
الأوقاف تدعم الفلاحين وليس هدفها زيادة الإيجار
وتابع رسلان: «الأوقاف تدعم الفلاحين وليس هدفها زيادة الإيجار»، موضحًا أنه تم تقسيم المساحات إلى 4 أنواع وفقًا للمساحة والمميزات المتوفرة بكل قسم، مع وجود مزايا نسبية للمستأجر من أراضي الأوقاف تكون أقل من القيم السائدة في السوق.
وأضاف: «تم تشكيل لجنة من خبراء الزراعة من أبناء الهيئة وتكليفهم لاستجلاء العدالة، كما أننا نراعي القيمة الإيجارية النوعية وسعر الفدان الإيجاري التابع للقيمة الإيجارية في السوق».
وتابع: «القيمة الإيجارية للفدان التابع للأوقاف لم تتجاوز 55 ألف جنيه، وفي الأقصر تتراوح قيمة فدان الأوقاف من 8 إلى 18 ألف جنيه حسب مزايا كل فدان».
تداعيات خطيرة على القطاع الزراعي
ومن جانبه حذر سيد خليفة، نقيب الزراعيين، من تداعيات خطيرة على القطاع الزراعي جراء الارتفاعات الحادة في القيم الإيجارية لأراضي هيئة الأوقاف، والتي وصلت في بعض تقديراتها إلى 48 ألف جنيه للفدان الواحد.
وأكد خليفة، أن هذه الأراضي تمثل مورداً إنتاجياً حيوياً، لكن القفزة المفاجئة من مستوى 18 ألف جنيه تمثل ضغطاً هائلاً يفوق طاقة الفلاحين، لاسيما الصغار منهم، مما يهدد باستمراريتهم في النشاط الزراعي.
ودعا نقيب الزراعيين وزارة الأوقاف إلى مراجعة عاجلة للقرار، مقترحاً تبني آلية "الزيادة المتدرجة" كحل عادل يوازن بين حق الهيئة في تنمية مواردها وبين قدرة المزارع على الوفاء بالتزاماته والحفاظ على الأمن الغذائي.
قال حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، إن قرار رفع القيمة الإيجارية لأراضي الأوقاف الزراعية جاء بشكل "غير واقعي" ويمثل عبئًا كبيرًا على المزارعين، مشددًا على الرفض القاطع للطريقة التي تم بها رفع الإيجار، والتي وصلت إلى أكثر من 3 أضعاف دفعة واحدة.
أراضي الأوقاف
وأضاف أبو صدام، في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، أن وزارة الأوقاف كانت تُقدّر إيجارات هذه الأراضي بشكل خاطئ وغير دقيق منذ سنوات، لكن الانتقال المفاجئ لرفع القيمة بهذا الشكل أحدث بلبلة كبيرة بين المزارعين، وقد يدفع الكثيرين لترك الأراضي التي ورثوها عن أجدادهم واعتمدوا عليها كوسيلة رزق وحيدة لعقود طويلة.
إحنا بناخد من الفقراء علشان ندي أغنياء
وأكد نقيب الفلاحين أن أراضي الأوقاف ليست ملكًا للدولة بالمعنى التقليدي، وإنما هي أموال موقوفة لصالح أعمال الخير ودعم الفقراء، وبالتالي فإن رفع الإيجار بهذا الشكل يتعارض مع الهدف الأساسي من الوقف، قائلًا: «إحنا بناخد من الفقراء علشان ندي أغنياء.. ده كلام غير منطقي. الأراضي دي كانت دعم للفلاح، مش باب جديد لإثقال كاهله».
وأشار أبو صدام إلى أن لجنة التسعير ساوت بين أراضي الأوقاف وبين أراضي الملاك الخاصة، رغم أن نقيب الفلاحين يطالب منذ سنوات بتخفيض إيجارات الأراضي الخاصة لمراعاة ظروف المزارعين، لا رفعها.
مطالبة بتدخل الرئيس السيسي
وناشد أبو صدام الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتدخل لمراجعة القرار، أسوة بما حدث سابقًا في تنظيم إيجارات أملاك الدولة، مطالبًا بأن يتم تحديد قيمة إيجارية عادلة أو أن تُتاح خيارات أخرى مثل البيع أو الاستبدال وفقًا للقانون.
القيمة العادلة للإيجار من وجهة نظر الفلاحين
وأوضح نقيب الفلاحين أن القيمة الإيجارية المنطقية لا يجب أن تتجاوز 25 ألف جنيه للفدان سنويًا، خاصة في ظل ارتفاع كبير في أسعار المستلزمات الزراعية وانخفاض أسعار المحاصيل، وقال: «إحنا في سنة صعبة جدًا على الفلاحين.. الطماطم وقعت، البطاطس وقعت، الليمون، كل المحاصيل خسرانة. ماينفعش نختار السنة الأسوأ عشان نرفع فيها الإيجار».
تحذيرات من آثار كارثية على الأمن الغذائي
وحذّر أبو صدام من أن ترك الفلاحين لهذه الأراضي سيؤدي إلى تراجع الإنتاج الزراعي، ويؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي للدولة في محاصيل أساسية مثل القمح والخضر والفواكه، وأن غالبية هذه الأراضي توجد داخل قرى ووسط منازل، وأن بعض الأسر بنت منازل مجاورة للأرض وتعمل فيها منذ 20 و30 عامًا، وأن إخراج المزارع وإدخال شخص آخر مكانه «غير عادل على الإطلاق».
200 ألف فدان من أراضي الأوقاف مزروعة حاليًا
وكشف نقيب الفلاحين أن إجمالي أراضي الأوقاف في مصر يبلغ نحو 500 ألف فدان، منها ما يقرب من 200 ألف فدان مزروعة فعليًا، والباقي موزع بين مبانٍ وأراضٍ غير زراعية، مؤكدًا على ضرورة مراجعة القرار بشكل عاجل، حفاظًا على الفلاحين، وعلى الإنتاج الزراعي، وعلى الهدف الأساسي لأراضي الوقف التي وُجدت لدعم الفقراء وليس لمفاقمة أعبائهم.
قرار غير عادل ولا يراعي الظروف الاقتصادية
قال الحاج محمد برغش، أحد الفلاحين والملقب بالفلاح الفصيح، إن قرار وزارة الأوقاف برفع القيمة الإيجارية للفدان إلى 59 ألف جنيه سنويًا قرار غير عادل ولا يراعي الظروف الاقتصادية الراهنة للمزارعين.
وأوضح برغش، في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، أن قرار وزارة الأوقاف ليس في مصلحة الفلاح، وإن الوزارة كان يجب أن تضع في اعتبارها دعم المزارعين لا إثقال كاهلهم.
وأكد أن رفع الإيجار الزراعي ليس عملية مالية بحتة، بل قضية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالأمن الاجتماعي والاقتصادي والغذائي، مشددًا على أن هذه الفئات هي الأجدر بالرعاية لأنها فئات منتجة تقوم بتوفير غذاء المصريين وتساهم في التصدير.
إعادة النظر في القرار ووضع قيمة إيجارية عادلة
ودعا برغش إلى تشكيل لجنة مشتركة من وزارتي الزراعة والأوقاف، إضافة إلى جهة مختصة بالمعلومات والتقييم، لإعادة النظر في القرار ووضع قيمة إيجارية عادلة تتناسب مع قدرة الفلاحين.
وتابع: «ليس منطقياً أن نرفع الإيجار بشكل مفاجئ دون دراسة، المطلوب هو التوازن… لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم».
وأضاف أن الفلاحين ليس لديهم مانع في رفع الإيجار، لكن بشرط أن يكون ارتفاعًا منطقيًا ومدروسًا، يأخذ في الاعتبار الارتفاع الكبير في تكاليف الإنتاج وانخفاض أسعار المحاصيل هذا العام.
واختتم قائلاً: «هذه قضية ترتبط بالأمن الاقتصادي فلا يجوز المساس بفئة تنتج الغذاء وتُعوَّل عليها الدولة في كل المواسم، كما أن هذا القرار يعود بالسلب على المواطنين».