عاجل

الحرب الهجينة.. تخريب الكابلات البحرية في البلطيق والشكوك تحوم حول روسيا

خفر السواحل الفنلندي
خفر السواحل الفنلندي يراقب ناقلة النفط «إيجل إس»

في أعماق بحر البلطيق، تدور حرب من نوع مختلف، لا يسمع فيها دوي المدافع، لكنها لا تقل خطورة عن ميادين القتال في أوكرانيا. فخلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، تعرضت كابلات الإنترنت والطاقة لعدة عمليات تخريب غامضة، وسط شكوك متزايدة تحوم حول تورط روسيا في هذه الهجمات التي تهدد استقرار القارة الأوروبية.

ووفقًا لتقرير نشرته مجلة «بوليتيكو»، فإن فنلندا، التي تشكل جبهة أمامية في مواجهة هذا الخطر، عززت من عمليات المراقبة البحرية، ونشرت طائرات وزوارق دورية لمراقبة أي نشاط مشبوه قد يستهدف البنية التحتية البحرية. يقول إيلجا إيلجين، نائب قائد خفر السواحل الفنلندي، إن وتيرة الحوادث “تزداد بشكل ملحوظ”، في وقت يسعى فيه الأوروبيون لفهم طبيعة هذه الهجمات والجهات التي تقف خلفها.

رسائل مقلقة

ورغم أن الأضرار التي لحقت بالكابلات حتى الآن لم تؤدِ إلى انقطاع واسع للخدمات، إلا أنها بعثت برسائل مقلقة إلى العواصم الأوروبية، خاصة مع تزايد الحوادث في دول مثل السويد وألمانيا ولاتفيا وإستونيا.

أول إنذار حقيقي جاء في سبتمبر 2022، حين تعرض خط أنابيب “نورد ستريم” لتفجير غامض، أحدث صدمة جيوسياسية. ومنذ ذلك الحين، تكثفت أعمال التخريب التي طالت كابلات اتصالات وكهرباء تربط بين دول البلطيق.

الخبراء يرون أن تنفيذ هذه العمليات لا يتطلب تقنيات متقدمة، فالمياه الضحلة للبلطيق - بمتوسط عمق لا يتجاوز 50 مترًا - تجعل الكابلات البحرية في متناول مراسي السفن. ويكفي، بحسب خبراء الأمن البحري، رشوة قبطان سفينة لخفض المرساة في المكان المناسب لتعطيل الكابلات.

ويضيف كريستيان بوغر، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كوبنهاجن، أن «التكلفة منخفضة، والعائد الاستراتيجي كبير، خاصة إذا كان الهدف هو زعزعة الثقة العامة وإرباك الحكومات الأوروبية».

الشكوك تحوم حول روسيا

حتى الآن، لم تثبت أي جهة رسمياً مسؤوليتها عن هذه العمليات، لكن الشكوك تحوم حول روسيا، التي يُعتقد أنها تستغل هذا النوع من الهجمات كجزء من استراتيجيتها في «المنطقة الرمادية» - وهي مساحة بين الحرب والسلام تُستخدم فيها وسائل غير تقليدية لبث الفوضى دون إشعال مواجهة مباشرة.

ويقول نيك تشايلدز، الخبير في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن روسيا «ترسل إشارات تحذيرية إلى الغرب، دون تجاوز الخط الأحمر للحرب الشاملة».

الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو تحركا مؤخرًا لتأمين البنية التحتية البحرية، عبر شراء كابلات احتياطية، وتكثيف المراقبة الجوية والبحرية. لكن التحديات تبقى هائلة، إذ تغطي منطقة البلطيق ما يفوق 400 ألف كيلومتر مربع، وتُعد من أكثر المسارات الملاحية ازدحامًا في العالم.

رغم محدودية الأضرار المباشرة، إلا أن الأثر النفسي لتلك الهجمات يتزايد، مع تصاعد المخاوف من أن تكون أوروبا مقبلة على مرحلة جديدة من “حرب الظل” التي تدور تحت سطح البحر.

تم نسخ الرابط