عاجل

من التعقيم إلى الملاجئ.. خطة قومية لإنهاء فوضى الكلاب الضالة في مصر

الكلاب الضالة
الكلاب الضالة

ظاهرة الكلاب الضالة، تتصاعد ظاهرة الكلاب الضالة في الشوارع المصرية بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، لتتحول من مجرد مشهد اعتيادي إلى أزمة يومية تمس سلامة المواطنين، وتثير حالة من الجدل المجتمعي حول أساليب المواجهة وحقوق الحيوان.

 وبين مطالب بتشديد الإجراءات حفاظًا على الأمن العام، ودعوات لتطبيق حلول رحيمة تتوافق مع المعايير الدولية، تعمل الدولة حاليًا على إعداد خطة وطنية شاملة تستند إلى التعقيم والتحصين والرصد الميداني وإنشاء ملاجئ جديدة، بهدف السيطرة على الزيادة العشوائية لأعداد الكلاب وتحقيق توازن بيئي يحفظ حق الإنسان والحيوان معًا. 

ظاهرة الكلاب الضالة

خطة الدولة تتجه نحو التعامل العلمي والإنساني مع الظاهرة، وتعيد تنظيم تواجد الكلاب في الشوارع بما يضمن الأمان للمواطنين ويضع حدًا لانتشارها غير المنضبط.

خطة الدولة لمكافحة الكلاب الضالة

وجأت خطة الدولة لمكافحة كلاب الشورارع الضالة، في إطار تحقيق التوازن البيئي وحماية صحة الانسان، وتضمّنت الفيديوهات جولة لقاءً مع الدكتور حامد موسي الأقنص، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للخدمات البيطرية.

محاور خطة الدولة لمكافحة الكلاب الضالة

حيث استعرض الدكتور حامد الأقنص أبرز ملامح استراتيجية الدولة 2030 الخاصة بالقانون رقم 23، والذي يحدد آليات التعامل مع الكلاب الضالة، بما يضمن المحافظة على صحة المواطنين، موضحا أن الاستراتيجية الوطنية 2030 ترتكز على 4 محاور رئيسية تشمل: إمساك الكلاب الضالة، تقديم التطعيمات والأمصال اللازمة لها، تعقيمها، ثم إطلاقها، إلى جانب إنشاء وتخصيص إدارة عامة متخصصة لمتابعة الحيوانات الخطرة الضالة.

عملية التعقيم تتم بوسائل رحيمة

وأوضح الدكتور الأقنص، أن الأمراض التي قد تنتقل من الكلاب إلى الإنسان هو مرض السعار ،لافتًا إلى أن الدراسات أثبتت أن 80% من الأمراض التي تصيب الإنسان مصدرها الحيوان، ما يؤكد أن صحة الحيوان هي الأساس لصحة الإنسان.

ولفت الدكتور الأقنص إلى أن عملية التعقيم تتم بوسائل رحيمة، من خلال استئصال رحم أنثى الكلب، بهدف تقليل أعداد الكلاب الضالة بطريقة علمية تحافظ على حياتها، مشيرًا إلى أن الكلاب يمكن أن تعيش ما بين 20 إلى 30 عامًا، وتُنجب نحو ثلاث مرات سنويًا، وهو ما يستدعي عمليات ضبط التكاثر لتحقيق التوازن البيئي وضمان وجودها بنسب طبيعية.

مواجهة أزمة الكلاب الضالة أصبحت ضرورة ملحّة

ومن جانبه قال الدكتور محمود عفيفي، الأمين العام لنقابة الأطباء البيطريين، إن مواجهة أزمة الكلاب الضالة أصبحت ضرورة ملحّة بعد تفاقم الشكاوى وارتفاع حجم الخطر الذي تتعرض له الأسر في مختلف المحافظات، مشيرًا إلى أن ما أعلنه مجلس الوزراء بشأن خطة التعامل مع الظاهرة خطوة مهمة، لكنها تحتاج إلى التطبيق الحازم والتعاون الكامل بين الحكومة والمجتمع المدني.

وأضاف عفيفي، في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، أن بعض جمعيات الرفق بالحيوان تتمسك برؤى لا يمكن تطبيقها بشكل كامل على أرض الواقع، مؤكدًا: "لا أحد يعادي الحيوان، ولا يوجد من يرحم الحيوان أكثر من الطبيب البيطري، لكن حماية الإنسان أولى، والتوازن البيئي لا يتحقق بالشعارات."

مراكز إيواء في كل محافظة

وأوضح أن الحل الأمثل يبدأ بوجود "شِلْتَر" أو مراكز إيواء في كل محافظة، يتم فيها تجميع الكلاب الضالة بعد اصطيادها من الشوارع بواسطة فرق مدربة، على أن يُجرى تعقيم وتحصين جزء منها وإعادته إلى مكانه الأصلي حفاظًا على التوازن البيئي، بينما يتم الاحتفاظ بالنسبة الأكبر داخل الإيواء حتى تنتهي دورة حياتها الطبيعية.

وقال الأمين العام لنقابة البيطريين: "لا يمكن بأي حال إعادة جميع الكلاب للشوارع؛ فالهدف هو خفض الأعداد، وليس تدوير الخطر. نُبقي فقط نحو 10% بعد تعقيمها وتحصينها، بينما تبقى 90% داخل مراكز الإيواء، وهذا هو الأسلوب العلمي الوحيد المعمول به دوليًا."

الكلاب الضالة في مصر تُقدّر بالملايين

وأشار إلى أن أعداد الكلاب الضالة في مصر تُقدّر بالملايين، دون وجود رقم رسمي دقيق، لكنه أكد أن الواقع يكشف حجم المشكلة بكل وضوح، وأن الشوارع أصبحت مصدرًا لرعب المواطنين، مع ارتفاع حالات العقر بشكل شبه يومي.

وأشار عفيفي إلى أن دور نقابة الأطباء البيطريين ينحصر في التوعية وتقديم الدعم العلمي والمهني للطبيب البيطري، بينما المسؤولية التنفيذية تقع على وزارات الزراعة والبيئة والتنمية المحلية والداخلية، وفق الاستراتيجية الوطنية 2030 لمواجهة الظاهرة.

وانتقد الدكتور محمود عفيفي بعض الجمعيات التي تكتفي — حسب قوله — بإثارة مشاعر المواطنين دون تقديم دعم حقيقي، مضيفًا: "لو كانت هذه الجمعيات جادة في حماية الحيوان، لشاركت في تنفيذ خطة الدولة على الأرض بدلًا من الاعتراض فقط."

وأكد في ختام حديثه أن الطبيب البيطري هو الأقدر على التعامل مع الحيوانات علميًا وإنسانيًا، لكنه مسؤول أيضًا عن حماية الإنسان: "نحن نعالج الحيوان ونحصّنه ونحافظ عليه، لكن عندما يتحول إلى خطر مباشر على حياة الناس، هنا تصبح حماية المواطن أولوية لا يمكن التهاون فيها."

ومن جانبه قال الدكتور أحمد الفولي، خبير شؤون الكلاب الضالة، إن ظاهرة انتشار الكلاب في الشوارع المصرية أصبحت ملحوظة خلال الفترة الماضية بسبب غياب استراتيجية علمية متكاملة، مؤكداً أن السبب الرئيسي هو التكاثر السريع للكلاب نتيجة عدم التحكم في التوالد، فكل كلبة يمكن أن تتزاوج كل ستة أشهر، ما يؤدي إلى زيادة أعداد الكلاب بشكل كبير.

تواجدها العشوائي في الشوارع يشكل خطراً عليها

وأوضح الفولي، في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، أن الكلاب في طبيعتها حيوانات هادئة، لكنها تصبح مزعجة أو مخيفة لبعض المواطنين عندما تتواجد بكثرة في المناطق السكنية، مشيراً إلى أن هذه الحيوانات تُعتبر ضرورية في البيئة الصحراوية لحماية المناطق من الزواحف والعقارب، لكن تواجدها العشوائي في الشوارع يشكل خطراً عليها وعلى البشر معاً.

وأشار الفولي إلى أن الدولة وضعت خطة تعتمد على أربعة محاور: الإمساك بالكلاب، تقديم التطعيمات والأمصال، تعقيمها، ومن ثم إطلاقها تدريجياً في بيئتها الطبيعية، مؤكداً أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى تقليل أعدادها تدريجياً دون الإضرار بالتوازن البيئي، مع الحفاظ على حياتها بشكل إنساني.

التعامل مع الكلاب في مصر يفتقد للاحترافية

وأكد الفولي أن التعامل مع الكلاب في مصر لا يزال غير علمي ويفتقد للاحترافية، مشيراً إلى أن الثقافة العامة للتعامل مع الحيوانات ضعيفة، ما يؤدي إلى سلوكيات خاطئة مثل ضرب الكلاب أو التخويف منها، وهو ما يزيد المشكلة بدلاً من حلها.

وأضاف أن الكلاب الضالة تحتاج إلى ملاجئ مجهزة، كما هو معمول به في كثير من الدول الأوروبية، حيث يتم الاحتفاظ بها بطريقة منظمة مع توفير الطعام والماء والتبني لمن يرغب، بدلاً من إطلاقها بشكل عشوائي في الشوارع.

واختتم الفولي حديثه بالتأكيد على أهمية التوازن بين حماية البشر والحفاظ على حياة الحيوانات، مشيراً إلى أن الكلب ليس شرساً بطبعه، بل يصبح كذلك نتيجة ظروف البيئة أو سوء التعامل معه، داعياً إلى نشر الثقافة الصحيحة للتعامل مع الكلاب لضمان التعايش الآمن بين الإنسان والحيوان.

نصف مليون حالة عقر سنويًا

قال الدكتور عبد السلام عاطف أستاذ الطب البيطري بجامعة القاهرة، إن مرض السعار يُعد مرضًا مستوطنًا في مصر منذ عشرات السنين، موضحًا أن كلمة endemic تعني أن الفيروس موجود ومتكرر الحدوث عبر الزمن، وهو ما تسبب في مشكلات صحية خطيرة، رغم وجود استراتيجية وطنية واضحة تعمل الدولة على تنفيذها للقضاء عليه.

وأوضح عاطف، في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، أن خطورة المرض تكمن في وجود "الخزّان" أو reservoir الذي يحتضن الفيروس، وهو في مصر الكلاب الضالة تحديدًا، مشيرًا إلى أن فيروس السعار المعروف عالميًا باسم Rabies وله مسميات أخرى مثل Hydrophobia أو Lyssa virus، ينتقل إلى البشر غالبًا عبر عضة كلب ضال، حيث تشير تقديرات وزارة الصحة إلى أن 90% من الإصابات البشرية تأتي من هذا المصدر.

وأضاف: "نحن نتحدث عن أكثر من نصف مليون حالة عقر سنويًا يتم تسجيلها رسميًا". فقد ارتفع الرقم من 335 ألف حالة عام 2016 إلى 574 ألف حالة عام 2019، ووصل حاليًا إلى ما يفوق 500 ألف حالة سنويًا مع تزايد مستمر. أما الوفيات، فتتراوح بين 50 إلى 60 وفاة سنويًا، كما تتحمل الدولة عبئًا ماليًا ضخمًا، إذ تنفق أكثر من 1.2 مليار جنيه سنويًا لتوفير الأمصال واللقاحات للمواطنين.

خطة قومية للقضاء على السعار بحلول عام 2030

وأكد الدكتور عبد السلام أن مصر وضعت استراتيجية قومية للقضاء على السعار بحلول عام 2030، تشمل تحصين الحيوانات، حيث تعمل الهيئة العامة للخدمات البيطرية بالتعاون مع القطاع الخاص على تنفيذ حملات واسعة تستهدف تحصين مليوني كلب وقطة بحلول عام 2025.

كما تعمل وزارة الصحة على تطوير مراكز العقر، وترقيمها إلكترونيًا لضمان وصول اللقاح لمستحقيه. وفي سبتمبر 2025 شُكّلت لجنة قومية لتفعيل القانون رقم 29 لسنة 2023 المتعلق بالتعامل مع الحيوانات الضالة والخطرة.

وأشار عاطف إلى أن خطورة المرض لا تتوقف عند الإنسان فقط، بل يمكن أن ينتقل إلى الأبقار والأغنام ويصل إلى المجازر أثناء فترة الحضانة، وهو ما يستوجب تطبيق القواعد الصارمة المنصوص عليها في القرار 517 لسنة 1986.

وتشمل هذه القواعد:

الإعدام الكلي للحيوان الذي تظهر عليه أعراض واضحة.

الإعدام الكلي للحيوان الذي يُذبح خلال فترة الحضانة الخطرة (3 أيام–6 أشهر من تاريخ العضة).

السماح بالمرور المشروط للحوم فقط في الحالات الآمنة مع التخلص من الأنسجة عالية الخطورة مثل:

المخ

الحبل الشوكي

الغدد اللعابية

الضرع

وأكد أن حماية العاملين في المجازر أمر بالغ الأهمية، إذ يُعد فيروس السعار من الأخطار المهنية المباشرة، مشددًا على ضرورة الالتزام بمعدات الوقاية الشخصية من قفازات، ومعاطف واقية، وكمامات.

وأشار الدكتور عبد السلام إلى أن تناول اللحوم المطهية جيدًا آمن تمامًا، بشرط وصول درجة الحرارة الداخلية إلى 75 درجة مئوية، ما يضمن القضاء على أي فيروسات محتملة.

وفي ختام حديثه، قال: "نسعى لحماية المواطنين والعاملين، ومع تطبيق الاستراتيجية القومية والتزام الجميع بإجراءات الوقاية، نتمكن بإذن الله من السيطرة على المرض وحماية المجتمع".

تم نسخ الرابط