عاجل

ماكرون في القاهرة ونتنياهو في البيت الأبيض.. صراع التحالفات بين باريس وواشنطن

الرئيسان الفرنسي
الرئيسان الفرنسي والأمريكي

في وقتٍ تتجه فيه الأنظار إلى البيت الأبيض، حيث يشهد العالم أحداثًا مثيرة للجدل بعد استضافة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هناك مشهد آخر في القاهرة يعكس تحولًا استراتيجيًا ملموسًا، حيث زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر والتي كانت لحظة استثنائية على المستوى الدبلوماسي، جسدت تحولات غير مرئية في السياسة الإقليمية، تنبع من تباين واضح بين دور باريس وواشنطن في الشرق الأوسط.
هذه المقارنة تكشف عن تغييرات هامة في العلاقات الدولية، ويضاف إليها تفاعل الخبراء والمحللين الدوليين، الذين تناولوا هذه التحولات بحذر وتحليل مستفيض.

فالرئيسين الفرنسي والأمريكي يمثلان نماذج مختلفة تمامًا في التعامل مع القضايا الدولية، خاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، ماكرون يسعى إلى بناء سياسة خارجية تركز على الاستقلالية والتوازن، بعيدًا عن الانحياز الكامل لأحد الأطراف، من ناحية أخرى، تتبع إدارة ترامب سياسة أحادية أضرت بشكل كبير بالتحالفات الأمريكية التقليدية مع حلفائها الأوروبيين. 

زيارة ماكرون لمصر
زيارة ماكرون لمصر

 رسالة دبلوماسية تبتعد عن الانحياز

لقد كانت زيارة ماكرون لمصر بمثابة تجسيد للاهتمام الفرنسي العميق بالشرق الأوسط واعترافًا بقدرة مصر على أن تكون لاعبًا محوريًا في المنطقة.
وبحسب تقرير لموقع "فرانس برس" تعتبر هذه الزيارة ذات دلالات سياسية عميقة، حيث تشير إلى حرص باريس على تجديد تحالفاتها مع مصر في وقت يشهد تراجعًا في دور الولايات المتحدة.
تقرير نشره موقع "فرانس 24" لفت إلى أن ماكرون حرص على تكرار دعم فرنسا للسياسات المصرية في محاربة الإرهاب وإرساء الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعكس رغبة قوية من باريس في عدم ترك الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة في المنطقة. 
أضف إلى ذلك، حملت زيارة ماكرون رسائل أكثر تعقيدًا فيما يخص التعاون العسكري والاقتصادي، أبرزها تعهد فرنسا بتقديم مزيد من الدعم العسكري لمصر عبر تعزيز العقود الخاصة بالطائرات المقاتلة الرافال الفرنسية.
تقرير تحليلي صادر عن الصحيفة الفرنسية" Le Figaro، أشار إلى أن صفقة الرافال عززت قدرة مصر على التصدي للتهديدات الإقليمية المتزايدة، وهو ما يظهر استعداد باريس للانخراط بقوة أكبر في مجالات الأمن والدفاع في المنطقة العربية، وخاصة في ظل عدم استقرار الوضع في ليبيا وسوريا.
 

استقبال نتنياهو
استقبال نتنياهو


عزلة أمريكية وسط تحول عالمي

في الجهة المقابلة، تمثل استقبال نتنياهو في البيت الأبيض صورة مغايرة تمامًا، فالقرارات الأمريكية المستفزة أثارت موجة من الاستياء في العالم العربي، حيث صُفت تلك الخطوات بأنها تدعم بشكل مباشر الطروحات الإسرائيلية دون النظر إلى الحقوق الفلسطينية، ما يعد تأكيدًا على الانحياز الأمريكي التام لمواقف تل أبيب.
أشار تحليل في "الجارديان" البريطانية إلى أن إدارة ترامب تستمر في إضعاف التحالفات الأمريكية التقليدية مع حلفائها الأوروبيين، مشيرًا إلى أن العلاقات مع أوروبا تتعرض لضغوط بسبب سياسات ترامب الأحادية، مما يعزز من عزلة الولايات المتحدة على الساحة الدولية، فبعد مرور قرابة الشهرين والنصف على تولي ترامب الحكم في أمريكا، وما صاحبها من إصداره أوامر تنفيذية وقرارات أثارت جدلا في أوساط شركاء الولايات المتحدة، كان أخرها، فرض رسوم جمركية على جميع دول العالم، خرجت مظاهرات في أنحاء الولايات المتحدة ضد ترامب وحليفه إيلون ماسك، بسبب السياسات الخارجية والداخلية.
هذا التحول في السياسة الأمريكية يخلق فراغًا دبلوماسيًا، وهو ما دفع القوى الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، إلى البحث عن طرق جديدة للتفاعل مع العالم العربي، بعيدًا عن تأثيرات السياسة الأمريكية الموجهة. 
وخلال تصريحاته، أكد ماكرون أن فرنسا تسعى إلى ممارسة دور أكثر استقلالية في مواجهة قضايا الشرق الأوسط، حيث صرح بوضوح أن باريس لن تسمح لواشنطن بتحديد مسار العلاقات الإقليمية بشكل حصري، بحسب bbc.

ماكرون وترامب
ماكرون وترامب


تطور استراتيجي بعيد عن الأضواء الأمريكية

من خلال استعراض مواقف ماكرون وترامب، يتضح أن فرنسا ومصر تسعيان إلى بناء تحالف استراتيجي يتجاوز الاستفادة التقليدية من علاقة اقتصادية أو عسكرية. 
التحليل الصادر عن "بلومبرج" الأمريكية أشار إلى أن هذا التحالف يُعتبر خطوة هامة نحو إعادة تموضع القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ظل سياسة "الانعزال" التي يتبعها ترامب.
كما أن العلاقة مع مصر تعتبر محورية بالنسبة لفرنسا، بالنظر إلى الدور الحيوي لمصر في مجال الأمن الإقليمي، وخاصة في قضية مكافحة الإرهاب وأمن الملاحة في البحر الأحمر.
إلى جانب التعاون العسكري في مجال الطائرات المقاتلة الرافال، يتزايد الاهتمام الفرنسي بمجالات أخرى مثل البنية التحتية، حيث تحدثت "رويترز" عن مساعٍ لتوسيع الاستثمار الفرنسي في مشروعات التنمية الكبرى في مصر، بما في ذلك الطاقة المتجددة والبنية التحتية للطرق والموانئ. 
هذا التعاون الثنائي يعكس تطلعات كل من مصر وفرنسا للعب دور أكبر في تشكيل السياسات الإقليمية بعيدًا عن التأثيرات الأمريكية. 
ومما لا شك فيه أن الرافال الفرنسية التي حلقت في سماء القاهرة تُعتبر بمثابة رسائل على الأرض تُبنى على رغبة مصر وفرنسا في استعادة الدور القيادي المشترك، خاصة في ملف مكافحة الإرهاب.
 

البيت الأبيض
البيت الأبيض


الرؤى المتباينة حول دور أمريكا في الشرق الأوسط

المراقبون الدوليون الذين تناولوا التحولات الأخيرة، بما في ذلك الخبراء في "مركز كارنيجي للشرق الأوسط"، يرون أن هذا التحول في العلاقات بين مصر وفرنسا يوازي في أهميته تراجع تأثير أمريكا في المنطقة. 
ويرى هؤلاء المراقبون أن سياسة ترامب في الشرق الأوسط تخلق بيئة مواتية لإعادة صياغة التحالفات الإقليمية، حيث تسعى دول مثل مصر إلى تعزيز تحالفاتها مع القوى الأوروبية التي أبدت حرصًا على الاستقرار في المنطقة.
وفي تحليل منشور على "الشرق الأوسط" اللندنية، جاء أن مصر باتت أكثر ميلاً للاستفادة من حالة الفراغ السياسي الذي خلفه تقاعس الولايات المتحدة في الملفات الإقليمية.
 

<strong>الرافال الفرنسية تزين سماء القاهرة</strong>
الرافال الفرنسية تزين سماء القاهرة


الرافال والقدس: رمزان لمشهدين متناقضين

وفي النهاية، لا يمكن إغفال أن الرافال الفرنسية التي تزين سماء القاهرة تمثل رسالة قوة واحترام متبادل بين فرنسا ومصر، في حين أن ما تحمله زيارة نتنياهو لترامب هو المزيد من الانقسام والتشويش في العلاقات بين واشنطن والشرق الأوسط.
فبينما تسعى فرنسا إلى دعم مصر في ملفاتها الأمنية والاقتصادية، يبدو أن السياسة الأمريكية لا تزال تتعامل مع المنطقة من منظور أحادي يدفع نحو المزيد من التوترات.
بناءً على التحليلات العالمية، يمكن القول إن المواقف المتباينة بين باريس وواشنطن في الشرق الأوسط قد تساهم في إحداث تحول في التوازنات السياسية، مما يعكس تحديات متزايدة للأمريكيين في مواجهة سياسة أكثر توازنًا من القوى الأوروبية.

تم نسخ الرابط