عاجل

مهما جبت العالم شرقًا وغربًا ستبقى المنصورة التي احتضنت النيل في حنان منذ الآف السنين أجمل بقعة فيه وأحبها الى قلبي، فالمنصورة جزيرة الورد، والحب، والذكريات الجميلة. والمنصورة هي تاريخنا الناصع التي حكم منها اجدادنا القدماء مصرنا في منديس (تل الربع)، والمنصورة بطولة يشهد عليها الطواشي صبيح وهو يمسك مفاتيح دار ابن لقمان وبداخله ملك فرنسا أسيرًا محسورًا، والمنصورة صوت شجي يلمع في السماء من حنجرة أم كلثوم وهي تشدو "رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا". 

والمنصورة نغم يدغدغ الوجدان بيد كروان المنصورة رياض السنباطي على عوده الأبنوسي. والمنصورة علم وثقافة من فكر علي مبارك، وريادة أحمد لطفي السيد. والمنصورة قصة "وا إسلاماه" الرائعة لعلى أحمد باكثير، و "حسن ونعيمة" لعبد الرحمن الخميسي. والمنصورة شعر عذب بلسان علي محمود طه في جندوله "فأنا من ضيع في الأحلام عمره"، وإبراهيم ناجي في أطلاله "فهل رأى الحب سكارى مثلنا"، وصالح جودت في ثلاثيته المقدسة "فأُمَّةٌ عَلَّمَهَا... حُبُّ السَّمَاء ..كَيْفَ تَبْنو ثُمَّ تَعْلُو بِالبِنَاء". المنصورة رقة فاتن حمامة في دعاء الكروان، وتحليق شادية في السماء "آه يا اسمراني اللون".

المنصورة تاريخنا القديم بقلم عالم الآثار سليم حسن، وبرواية المؤرخ الفذ عبد الرحمن الرافعي. والمنصورة نحت تمثال نهضة مصر لمحمود مختار. والمنصورة شعر كامل الشناوي "أنا الشعب لا أعرف المستحيلا ولا أرتضي بـالخلود بديلا"، ورومانسية مأمون الشناوي "آدي الربيع عاد من تاني… والبدر هلت أنواره وفين حبيبي اللي رماني من جنة الحب لناره"، وسيد حجاب "ومنين نجيب الشجن…من اختلاف الزمن". المنصورة هي الطب كله، بقلاعه وفرسانه الذين غزوا العالم بعلمهم ومهارتهم، والهندسة التي وسعت الحرم المكي الشريف برسم كمال إسماعيل. المنصورة هي الصالح أيوب، وشجر الدر، وعز الدين أيبك، وسيف الدين أقطاي، والظاهر بيبرس. المنصورة فن كمال الشناوي وزكي رستم، وحرفنة ثعلب الكرة حمادة إمام، ومهارة نجم النجوم الخطيب. المنصورة قصة من الرقي والتميز في "توريل"، والحب والغرام في "المختلط"، والأصالة والشهامة في الحسينية، وميت حدر، والشيخة عيشة، والتعليم في شارع الثانوية. المنصورة هى عبق التاريخ في شعبيتها، في سوق ستوتة، وسوق السمك والشيخ حسنين.

المنصورة بأسواقها الصاخبة في السكة الجديدة، وسوق الخواجات، والعباسي، وبذكريات مقاهي أندريا ومنيرڤا وجعفر ورمسيس وميدان المحطة. المنصورة بجمال الكورنيش، والكباري التي تتوهج أضواؤها ليلًا. المنصورة التي تتسحر فجرًا مع ابتهالات نصر الدين طوبار، وتفطر مع تواشيح النقشبندي "الله… يا الله"! المنصورة بشهامة رجالها، وجمال نسائها، وخفة دم شبابها، وروحهم المرحة من عادل إمام ويونس شلبي، الى ومحمد صبحي، ويحيى الفخراني. المنصورة "سكة السلامة" من مسرح سعد الدين وهبة، و"عيلة الدوغري" مع نعمان عاشور، وفارسي المسرح الكوميدي فؤاد المهندس وأمين الهنيدي. 

المنصورة في لباقة ليلى رستم وصفية المهندس وهمت مصطفى، وكتابات محمد التابعي وخيالات أنيس منصور، وقصص محمد المخزنجي الشائقة. المنصورة من بطولة المهندس أحمد حمدي وهو يفتح المعابر في نصر أكتوبر، وجسارة إبراهيم الرفاعي وهو يتصيد أعداءنا في حرب الاستنزاف. المنصورة هى حضن الأنصار الدافئ الذي ضم مهاجري بورسعيد والاسماعيلية في بيتهم الثاني حتى النصر. المنصورة بشيوخ الإسلام جاد الحق، والشرباصي، والشعراوي والشناوي من مساجدها العريقة، وبالبابا تواضروس من كنائسها التاريخية. 

المنصورة بقامات السياسة محمد حسين هيكل، وإبراهيم شكري. والمنصورة دائمًا ولّاده فبيننا اليوم العالم الفريد محمد غنيم والمفكر الواعي حسام بدراوي والفنان الملتزم خالد النبوي والاعلامية المحبوبة اسعاد يونس والمطرب الرقيق مدحت صالح والرسام المبدع مصطفى رحمة، وغيرهم الكثير، وكل منهم يحمل وردة ليضعها في بستان المنصورة المزدهر. كل هؤلاء الذين شكلوا حياتنا من مدينتي الجميلة! ما هذا الجمال والشجن والفن والحب يا منصورتي؟! من لم يعش فيكِ -ولو يومًا واحدًا- لم يعش عمره. بحبك "وبموت فيكِ"، وفي ذكرياتك الجميلة، وناسك الأجمل!

 

تم نسخ الرابط