عاجل

السيدة نفيسة رضي الله عنها.. سبب تسميتها بهذا الاسم وقصتها مع الإمام الشافعي

مقام السيدة نفيسة
مقام السيدة نفيسة

يحتفي المصريون بالليلة الختامية لـ مولد السيدة نفيسة رضي الله عنها، اليوم الأربعاء، وقد استعرض الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ترجمة لسيرتها، فمن هي السيدة نفيسة وما قصتها مع الإمام الشافعي.   

من هي السيدة نفيسة؟ 

السيدةُ نَفيسةُ الصغرى بنتُ سيدي حسنٍ الأنور (ويُشتهَر بالأكبر كذلك)، وهو ابنُ زيدٍ الأبلج، ابنِ مولانا الإمامِ الحسنِ السِّبط، ابنِ مولانا الإمامِ عليٍّ، من مولاتِنا فاطمةَ الزهراءِ البتول، بضعةِ سيدِنا ومولانا الرسولِ صلى الله عليه وسلم.

ومشهدُها الآن بالقاهرةِ الباهرةِ في جنوبِها الشرقيِّ بسفحِ المقطَّم، على يمينِ كوبري السيِّدة عائشة الحديديِّ في جنوبِ غربيِّ القلعة، بمنطقةٍ تُعرَف تاريخيًّا بدربِ السباع (بين منطقةِ القطائع والعسكر)، التي كانت تُعرَف بكومِ الجارح، وقد أزالت البلديَّة ما حولَ المشهدِ من مبانٍ ومقابرَ وغيرها، وجعلت له ميدانًا فسيحًا رائعًا، وجدَّدتْ بعضَ المباني من حولِه، وزيَّنَتِ الميدانَ بالنَّافورات والزُّروع.

ولم يجمعِ المؤرِّخون على شيءٍ إجماعَهم على أن السيِّدة نَفيسة بنت الحسن مدفونةٌ بمشهدِها بمصر، والدولةُ الآن بصدد توسيعِ مسجدِها الشريف.

وقد أُخِذ اسمُ «نَفيسة» من النفاسةِ ورفعةِ الشأنِ والشرف، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحبُّ الأسماءَ الجميلة، ويُغيِّر بعضَ أسماءِ الصحابةِ بما هو أجملُ وأكمل.

● ولادتُها وزواجُها وأولادُها:

وقد وُلِدت رضي الله عنها بمكَّة في النصفِ الأوَّل من ربيعٍ الأوَّل سنةَ مئةٍ وخمسٍ وأربعين من الهجرة، وقضتْ صِباها بـ(المدينة)، مُلازمةً القبرَ النبويَّ في أغلبِ الأوقات؛ إذ كان والدُها أميرًا على المدينةِ للخليفةِ المنصور، وقد أدركت طائفةً من نساءِ الصحابةِ والتابعين وتلقَّتْ عنهن، وحجَّت ثلاثين حجَّة، أكثرُها وهي تمشي على أقدامِها، وكانت تحفظُ القرآنَ الكريم وتُفسِّره وتفقهُ به الرجالَ والنساء، صوَّامةً قوَّامةً، سخيَّةً غايةَ السَّخاء، ولها كراماتٌ لا تُحصى كعمتِها (زينب بنت عليٍّ) رضي الله عنها.

وتزوَّجت في العشرِ الأولى من رجب سنةَ 161هـ، من أحدِ بني عُمومتِها، السيدِ إسحاقَ المؤتمن (شقيقِ السيدةِ عائشةَ دفينةِ مصر)، وهو ابنُ السيدِ جعفرٍ الصادقِ بنِ السيدِ محمدٍ الباقرِ بنِ السيدِ عليٍّ زينِ العابدين بنِ مولانا الإمامِ الحسين رضي الله عنهم جميعًا، ورُزِقتْ منه بـ(القاسم، وأمِّ كلثوم).

ولمَّا ترك الإمامُ الحسنُ الأنور والدُ السيِّدة نَفيسة ولايةَ المدينة، خلَّفَه عليها زوجُها إسحاقُ المؤتمنُ بنُ جعفرٍ الصادق واليًا للعباسيين؛ فهي بنتُ أميرٍ وزوجةُ أميرٍ من أهلِ البيت.

● نزولُها إلى مصرَ ومنازلُها فيها:

وفي العشرِ الأواخر من رمضان سنةَ (193 هجرية) نزلتْ مصرَ مع زوجِها وأبيها وابنِها وبنتِها؛ لزيارةِ مَن كان بمصرَ من آل البيت، بعد أن زارت بيتَ المقدسِ وقبرَ الخليل، واستقبلها أهلُ مصر عند العريش أعظمَ الاستقبال، حتى إذا دخلتْ مصر أنزلها السيدُ (جمالُ الدين عبدُ الله الجصَّاص) كبيرُ تجارِ مصر، في دارِه الفاخرة، ثم انتقلتْ إلى دارِ (أمِّ هانئ) بجهةِ المراغةِ المشهورةِ الآن بالقرافة، وهناك كان إكرامُ الله لها بأن شفى من ماءِ وُضوئها الفتاةَ المُقعَدةَ بنتَ أبي السَّرايا أيوبَ بنِ صابرٍ اليهوديَّ؛ فأسلم أهلُها ومَن كان معهم.

وحاول أبو السَّرايا نقلَ السيِّدة نَفيسة إلى دارِه في دربِ الكروبيين، وكان لهذه القصةِ دويٌّ هائلٌ في أهلِ مصر، فلازموا دارَها ليلَ نهارَ بالمئات، يلتمسون البركاتِ، وينتظرون الدعوات.

وهنا أزمع زوجُها العودةَ بها إلى الحجاز، فاستمسكَ أهلُ مصر بوجودِها بينهم، ورأتْ في المنامِ جدَّها المصطفى صلى الله عليه وسلم يأمرُها بالإقامةِ في مصر؛ فوهبها (عبدُ الله بنُ السَّريِّ بنِ الحَكَم) والي مصر دارَه الكبرى بدربِ السباع، وهي الدارُ التي كانت لأبي جعفر خالدِ بنِ هارونَ السلَميِّ من قبلُ، وحدَّد لزيارتِها يومَيِ السبتِ والأربعاءِ من كلِّ أسبوع؛ مراعاةً لصحتِها، وتمكينًا لها من عبادتِها، وكانت تخدمُها (زينبُ بنتُ أخيها يحيى المتوَّج)، حتى انتقلتْ إلى الرفيق الأعلى.

● بعضُ مآثرِها:

وكان أهلُ مصر ربما شَكَوا إليها انحرافَ الوالي؛ فوعظتْه وحذَّرتْه، وذكَّرتْه بعذابِ الله وحقوقِ الناس، فما تزال به حتى يفيءَ إلى أمرِ الله.

وكانت مستجابةَ الدعاءِ، فما دعتْ لأحدٍ إلا استجاب اللهُ له.

وكانت على شيءٍ من طبِّ العيون، تجمعُ فيه بين الطبِّ المعتاد والطبِّ الروحيِّ، فيشفي اللهُ قاصدَها؛ ولهذا كان يُهرَعُ مرضى العيون إلى مشهدِها بعدَ وفاتِها؛ التماسًا للشفاءِ، وكان من كراماتِها أن أقامت الحكومةُ إلى جوارِ مشهدِها مستشفىً لأمراضِ العيون عُرِف باسمِها، ولكنَّ الحكومةَ عادت فنقلتْه إلى مكانٍ آخر، ثم غيَّرت اسمَه مع الأسفِ الشديد.

● السيدة نفيسة والإمام الشافعي:

وكان لها دخلٌ كبيرٌ في حضورِ الإمامِ أبي عبدِ الله محمدِ بنِ إدريس الشافعيِّ رضي الله عنه إلى مصر؛ ولهذا كان رضي الله عنه يُكثِرُ زيارتَها والتلقِّي عنها، وفي صحبته عبدُ الله بنُ الحكم رضي الله عنه، وكان يُصلِّي بها في مسجدِ بيتِها، وخصوصًا تراويحَ رمضان، وكانت تُقدِّرُه رضي الله عنه، وتَمدُّه بما يكفيه ويُعينه على أداءِ رسالتِه العلميةِ الكبرى.

ولمَّا مات الشافعيُّ رضي الله عنه في رجب سنةَ 204هـ، حملوه إلى دارِها فصَلَّتْ عليه مأمومةً بالإمام أبي يعقوبَ البُوَيْطيِّ، ودعت له، وشهدتْ فيه خيرَ شهادة، وقد حزنتْ على وفاتِه حزنًا كبيرًا.

● وفاة السيدة نفيسة ودَفنُها:

وبعد وفاةِ الشافعيِّ بدأتِ السيدة نفيسة تُعِدُّ نفسَها للقاءِ مولاها؛ فحفرتْ قبرَها بيدِها تباعًا في حجرتِها بمنزلِها الذي أهداه إليها والي مصر (عبدُ الله بنُ السَّريِّ بنِ الحَكَم) بدربِ السباع، وهو الذي أصبح فيما بعدُ مشهدَها ومسجدَها الحاليَّ، وكانت تُصلِّي في قبرِها الذي حفرتْه بيدِها في حجرتِها، وقرأتْ فيه عشراتِ الختماتِ من القرآن تبرُّكًا واستشفاءً، بعد أن بناه خيرُ البنَّائين؛ تسابُقًا لمرضاتِها ليرضى عنهم الله تعالى.

وفي يومِ الجمعة الخامسِ عشرَ من رمضان سنةَ 208هـ، اشتدَّ مرضُها، قالوا: وكانت تقرأ سورةَ الأنعام، حتى إذا وصلتْ إلى قوله تعالى: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: 127]، فاضتْ روحُها إلى الرفيقِ الأعلى راضيةً مرضيَّة.

● بعضُ أحبَّائِها:

وكان ممن يتبرَّك بزيارتِه لها: مولانا أبو الفيضِ ذُو النونِ المصري، والإمامُ أبو الحسنِ الدِّينَوَري، وأبو عليٍّ الرُّوزْباري، وأبو بكرٍ الدَّقَّاق، وأبانُ الواسطي، والإمامُ إسماعيلُ المُزَنيُّ الشافعي، والإمامُ أبو يعقوبَ البُوَيْطيُّ الشافعي، والفقيهُ عبدُ الله بنُ وهبٍ القرشيُّ المالكي، والإمامُ أبو جعفر الطَّحاويُّ الحنفي، وأبو نصرٍ سراجُ الدينِ المُغافِري، والفقيهُ أبو بكرٍ الحدَّاد، والإمامُ أبو الحجاجِ الإشبيلي، والإمامُ يوسفُ بنُ يعقوبَ الهَرَوي، والمحدِّثُ الحافظُ عبدُ الغنيِّ بنِ سعيدٍ الأزدي، والإمامُ أبو عبدِ الله القُضاعي، والإمامُ أبو زكريا السَّخاوي، والفقيهُ الإمامُ أحمدُ بنُ زَرُّوق المالكيُّ الصوفي، وشيخُ قرَّاءِ مصر الإمامُ وَرْش المقرئ، والإمامُ المحدِّثُ الحافظُ الشيرازي، والحافظُ أبو طاهرٍ السِّلَفي، وأبو الحسنِ الموصلي… إلى مئاتٍ من ساداتِ السادات، وأئمَّةِ الأئمَّةِ في علومِ الدينِ والدنيا، مِمَّا يدلُّ على رفعةِ قدرِها، وعلوِّ مقامِها.

وقد جرَّب كبارُ أصحابِ القلوب التوسُّلَ إلى الله بها، ودعاءَه تعالى عند قبرِها؛ فاستجاب لهم ربُّهم، ولا يزال سبحانه يستجيبُ لروَّادِ هذا المشهدِ الحبيب، وهم دائمًا صفوةُ الصفوةِ من مصرَ والبلادِ الإسلامية.

● تاريخُ مشهدِها:

وقد أنشأ قبرَها أميرُ مصرَ عبدُ الله بنُ السَّريِّ بنِ الحَكَم، ثم جدَّدَه الخليفةُ المُستنصِرُ بالله الفاطمي، ثم بنى قبتَه الخليفةُ الحافظُ لدينِ الله الفاطمي، كما بنى الحافظُ لكبارِ الفاطميين في جوارِ المشهد مقبرةً (دخلت في المسجدِ الحاليِّ عند توسعتِه).

ثم جدَّد المشهدَ الملكُ الناصرُ محمدُ بنُ قلاوون، وهو الذي أنشأ المسجدَ بجوارِ المشهد، وأسند نظارتَه إلى الخليفةِ المعتضِدِ بالله بنِ المستكفي بالله العباسيِّ من سلالةِ خلفاءِ بني العباس، الذين هاجروا إلى مصرَ من العراقِ بعد أن دخلها المغول، وبعدها جدَّدَهُما – أي المسجدَ والمشهدَ – الأميرُ عبدُ الرحمن كَتْخُدا، ووقف عليه 450 فدَّانًا، وعددًا كبيرًا من الحوانيتِ والعقاراتِ المختلفة، ثم جدَّده على وضعِه الحاليِّ الخديويُّ عباسُ حلمي الثاني، ثم جدَّدتْه الحكومةُ وأعلنتْ أنها ستُوسِّعُه.

● أبوها وإخوتُها وأبناؤُها:

وللسيِّدة نَفيسة عشرةُ إخوةٍ من أبيها الحسنِ الأنور، وأمُّهم أمُّ سَلَمةَ زينبُ بنتُ الحسنِ المثنَّى بنِ مولانا الحسنِ الإمامِ السبطِ بنِ الإمامِ عليٍّ، أمَّا هي رضي الله عنها فمن أمٍّ وحدَها، غيرِ أمِّهم أمِّ سلمةَ رضي الله عنها.

وقد مات في مصرَ أبوها سيدي حسنُ الأنور المشهورُ أيضًا بالأكبر، وقبرُه معروفٌ بحيِّ مصرَ القديمة، ودُفِن معه في مشهدِه ابنُه زيدٌ أخو نَفيسة، كما دُفِن بمصرَ أيضًا أخوها يحيى المتوَّج، وقبرُه معروفٌ عند الإمامِ الليث في جوار مدفنِ سيدي يحيى (الملقَّبِ بالشبيهِ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم)، وهو المشهور بـ(يحيى الحسيني)، وكان السلطانُ أحمدُ بنُ طولون قد استقدمه من الحجاز تبرُّكًا به؛ فانتفع أهلُ مصر بطهارةِ أنفاسِه ودعوتِه الطاهرةِ إلى الله حتَّى توفَّاه الله، وهذه القبورُ – لسوءِ الحظ – مهجورةٌ ويُخشى اندثارُها.

ويوجد بهذه المنطقةِ في شارعِ الخليفة قبرُ سيدي محمدٍ الأصغر الشهيرِ بـ(محمد الأنور) ابنِ زيدٍ الأصغرِ بنِ الحسنِ الأكبرِ بنِ زيدٍ الأكبرِ المعروفِ بالجوادِ بنِ الحسنِ ابنِ عليٍّ.

فـ(محمدُ الأنور) على هذا هو ابنُ أخي السيِّدة نَفيسة بنتِ الحسنِ الأكبر، ويظنُّ بعضُهم خطأً أنَّه عمُّها، وليس كذلك.

أمَّا زوجُها إسحاق، فكان قد حضر لزيارتِها كعادتِه، فإذا حضورُه هذه المرَّة يُصادِف – من إكرامِ الله لها – يومَ وفاتِها، فتولَّى بنفسِه جميعَ شؤونِها كوصيَّتِها، وترك جسدَها الشريفَ وديعةً عند أهلِ مصرَ كطلبِهم، ثم استصحبَ ابنَها وابنتَها (القاسمَ وأمَّ كلثوم) معه إلى الحجاز رضي الله عنهم جميعًا.

● من شعرِ السيِّدة نَفيسة، قولُها:
في أمورٍ تكونُ، أو لا تكونُ * سَهِرَتْ أعيُنٌ، ونامت عيونُ
والذي قد كفاكَ ما كانَ * بالأمسِ سيكفيكَ في غدٍ ما يكونُ

قالوا: ولمَّا حضرتْها الوفاةُ جاء الطبيبُ إليها، فنظرتْ إلى من حولَها، وقالت:
أبعِدوا عنِّي طبيبي * ودَعوني وحبيبِي
زاد بي شوقي إليه * وهيامي ونَحيبِي

تم نسخ الرابط