معركة القطب الشمالي.. روسيا وأمريكا وبينهما التغير المناخي

قبل نحو عقدين، وتحديدًا في عام 2007، كانت روسيا قد وضعت علمها في قاع البحر على عمق 14,000 قدم تحت القطب الشمالي، لتكون هذه الخطوة بمثابة إعلان مبكر عن تنافسات قادمة على النفوذ في المنطقة القطبية، بحسب مجلة "نيوزويك" الأمريكية.
منذ تلك اللحظة، لم تتغير بعض المعطيات في أقصى الشمال، حيث ظل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السلطة، ولا تزال القطب الشمالي يشهد تراجعًا مستمرًا في الجليد البحري، في وقت تتسارع فيه القوى الكبرى نحو تعزيز وجودها العسكري والاقتصادي.
وبحسب التقرير، فإن التغيرات المناخية قد أضحت أحد أبرز المحركات للتنافس على الموارد في القطب الشمالي.
ففي فصل الشتاء الأخير، انخفضت مستويات الجليد البحري إلى 5.53 مليون ميل مربع، وهو تراجع بنحو 1.1 مليون ميل مربع عن العام الماضي، وهو أدنى مستوى منذ خمسين عامًا.
هذا التراجع يشير إلى احتمال أن يصبح القطب الشمالي خاليًا من الجليد في الصيف بحلول عام 2050، ما يفتح المجال أمام زيادة النشاطات العسكرية والمرورية واستغلال الموارد الطبيعية في المنطقة.

جهود روسية
في خطوة حاسمة نحو تعزيز نفوذها في المنطقة، أعلنت موسكو عن تعزيز حضورها العسكري في القطب الشمالي. حيث أكد الرئيس بوتين في منتدى عقد بمدينة مورمانسك -التي تعد مركزًا أساسيًا للأسطول البحري الروسي- أن القطب الشمالي قد يصبح قاعدة انطلاق للحروب المستقبلية.
كما انتقد بوتين حلف الناتو بسبب المناورات العسكرية التي جرت في المنطقة مؤخرا، والتي شملت أعضاء الحلف الجدد مثل فنلندا والسويد.
وفي سياق متصل، شهدت موسكو تطورًا ملحوظًا في قدراتها العسكرية، حيث تم إطلاق الغواصة النووية “بيرم” من حوض بناء السفن “سيفماش”، وهي مزودة بصواريخ “زيركون” الفرط صوتية.
ويُعد تعزيز الأمن في القطب الشمالي جزءًا أساسيًا من الاستراتيجيات العسكرية لبوتين، حيث بدأ منذ عام 2014 في نشر الطائرات المسيرة لحماية البنية التحتية الحيوية وبناء قواعد عسكرية على الحافة الشمالية للبر الروسي وجزر القطب الشمالي، بما في ذلك تعزيز أسطول كاسحات الجليد الروسي من 11 إلى 17 سفينة.
وفيما يتعلق بالوصول إلى الموارد الطبيعية، يشير الخبراء إلى أن بوتين يسعى بشكل أساسي لضمان السيطرة على ثلث احتياطيات النفط والغاز غير المستغلة في العالم، وهو ما يعزز من أهميته الاستراتيجية للمنطقة القطبية.
تهديد الأمن الأمريكي
تواجه الولايات المتحدة تحديات غير مسبوقة في القطب الشمالي، إذ تشهد المنطقة تعاونًا متزايدًا بين روسيا والصين، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني.
ففي أكتوبر 2024، رصدت السلطات الأمريكية أربع سفن روسية وصينية على بعد 440 ميلًا من جزيرة سانت لورانس في ألاسكا، وهي المسافة التي تعد الأبعد التي تم رصد السفن الصينية فيها في تلك المنطقة.
وتعليقًا على هذا التطور، قال مالتي هامبرت، مؤسس معهد القطب الشمالي في واشنطن، إن الوضع العسكري في القطب الشمالي يتغير بسرعة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة لا تمتلك حاليًا الأسطول الكافي لمواجهة هذه التحديات، حيث لا يوجد كاسحات جليد أمريكية قادرة على مراقبة السفن الروسية والصينية.
كما أضاف أن هذه التطورات تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تحتاج إلى تعزيز قدراتها في المنطقة بشكل عاجل.

نقص المعدات
على الرغم من أن الولايات المتحدة تظل القوة العسكرية الكبرى في العالم، إلا أن قدراتها في القطب الشمالي لا تقارن بتلك التي تمتلكها روسيا أو الصين في الوقت الراهن.
تمتلك روسيا 55 كاسحة جليد، منها 18 عسكرية، بينما تمتلك الولايات المتحدة كاسحتين فقط، وهو ما يعد تباينًا كبيرًا في القدرات.
كما تمتلك الصين أيضًا كاسحتين متوسطتين وثقيلتين، وتخطط لبناء المزيد في المستقبل.
وأكد الأدميرال الأمريكي بيتر جوتييه أن حرس السواحل الأمريكي يسعى لتعزيز وجوده في القطب الشمالي، لكنه يواجه تحديات كبيرة بسبب نقص المعدات، خاصة في مجال كاسحات الجليد.
وفي هذا السياق، أشار الخبير العسكري هامبرت إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تتبنى استراتيجيات جديدة لمواجهة تصاعد النفوذ الروسي والصيني في المنطقة.
وفي ورقة بحثية نشرها مركز تحليل السياسات الأوروبية (CEPA) في ديسمبر 2024، تم التأكيد على غياب الوجود الأمريكي وحلف الناتو في القطب الشمالي، كما أشار المركز إلى أن دول “ناتو 7” في المنطقة بحاجة إلى التنسيق بشكل أكبر لمواجهة التحديات المقبلة.
ويبق القطب الشمالي مركزًا للصراع المتزايد على النفوذ بين القوى الكبرى، في وقت يتسارع فيه الذوبان الجليدي ويزداد فيه الوصول إلى الموارد الطبيعية.
ويظل المستقبل مفتوحًا أمام المزيد من التحديات التي قد تغير الصورة الإستراتيجية لهذه المنطقة الحيوية.