مارسيل بالوكجي: الجنوب اللبناني سيظل ساحة مفتوحة للرسائل العسكرية المتبادلة

في تحليله للتطورات العسكرية المتسارعة في جنوب لبنان، أكد العميد الركن مارسيل بالوكجي، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن التصعيد الإسرائيلي الأخير ليس مجرد رد فعل عسكري، بل يأتي ضمن سياسة ضغط ممنهجة تهدف إلى إحداث تغييرات سياسية وأمنية داخل الساحة اللبنانية، وعلى رأسها تسريع تنفيذ القرار الأممي 1701، وتقليص نفوذ "حزب الله" في المناطق الجنوبية.
جاءت تصريحات بالوكجي خلال مداخلة مع قناة "القاهرة الإخبارية"، في سياق تقييمه للغارات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع محددة داخل الأراضي اللبنانية، وسط تصاعد التوترات الإقليمية وتداخل الملفات السياسية والعسكرية في المنطقة.
ضغط عسكري وسياسي
وأوضح الخبير العسكري أن الغارات الأخيرة تأتي في سياق ضغط سياسي بواجهة عسكرية، خاصة بعد زيارة المسؤولة الأمريكية إلى بيروت، والتي شددت خلالها على ضرورة تعزيز دور الجيش اللبناني، وتوسيع نطاق سيطرته في الجنوب، بالتوازي مع التنفيذ الكامل للقرارين الأمميين 1701 و1559، المتعلقين بنزع سلاح الميليشيات غير النظامية، وعلى رأسها "حزب الله".
وقال بالوكجي: «الرسائل السياسية خلف هذا التصعيد واضحة: إسرائيل لا تسعى في المرحلة الحالية إلى مواجهة شاملة، لكنها تستخدم القوة المحدودة والمركزة كوسيلة لدفع الحكومة اللبنانية نحو اتخاذ خطوات جدية في ما يتعلق بملف السلاح غير الشرعي».
تصعيد وسيناريوهات قادم
وشدد بالوكجي على أن ما يجري ليس حالة طارئة أو منعزلة عن السياق العام، بل قد يكون مقدمة لجولات تصعيد متكررة، وربما أكثر شدة، في حال لم يُسجل أي تقدم على صعيد ضبط سلاح "حزب الله" وتوسيع صلاحيات الجيش اللبناني.
وأضاف: "ما نشهده الآن هو رسائل بالنار، وقد تمتد رقعة هذه الرسائل إلى مناطق إضافية في الجنوب، وربما تتخذ طابعًا أكثر حدّة في حال استمرار الجمود السياسي والعسكري في لبنان."
ملف لبناني بأبعاد إقليمية
ولفت إلى أن الملف اللبناني لا يُدار بمعزل عن باقي ملفات المنطقة، بل يُشكّل جزءًا من لوحة إقليمية أوسع تشمل اليمن، العراق، قطاع غزة، وحتى إيران، موضحًا أن التحركات العسكرية والدبلوماسية تجري بشكل متوازٍ في جميع هذه الساحات، ضمن محاولات لإعادة رسم التوازنات الإقليمية.
وأشار إلى أن الضغوط الحالية على لبنان قد تهدف إلى تهيئة الأجواء لتوقيع اتفاق نووي جديد مع إيران، بالتزامن مع تحقيق تقدم في مسار التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، ما يعني أن التصعيد العسكري ليس هدفًا بحد ذاته، بل أداة في سياق تفاوضي أكبر.

لبنان في مهب الريح
اختتم الخبير العسكري تحليله بالتأكيد على أن الدولة اللبنانية تقف أمام مفترق طرق حاسم، فإما أن تستجيب للضغوط الدولية وتبدأ عملية إعادة تنظيم المشهد الأمني في الجنوب، أو أن تدخل في نفق طويل من التصعيد المتقطع، الذي قد يتطور إلى صراع أشمل إذا فُقدت السيطرة على وتيرته.
وفي ظل تعقيد المشهد الإقليمي، يبدو أن الجنوب اللبناني سيظل ساحة مفتوحة للرسائل العسكرية المتبادلة، إلى أن تتضح معالم التسويات الكبرى المنتظرة في المنطقة.