ما المقصود بـ "عباد الرحمن" فى الآية 63 من سورة الفرقان

في سياق الآية الكريمة من سورة الفرقان، يتناول القرآن الكريم صفات عباد الرحمن الذين يعتبرون قدوة في سلوكهم وأخلاقهم. وفي الآية 63، التي تقول: “وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا”، يُعرض وصف دقيق لهذه الصفات الفاضلة التي تميز هؤلاء المؤمنين المخلصين.
تواضع عباد الرحمن في تعاملهم مع الحياة:
الآية تبرز التواضع الشديد الذي يتمتع به عباد الرحمن، حيث يُقال إنهم “يمشون على الأرض هونا”. هذه العبارة تحمل في طياتها معاني من التوازن والاعتدال في السير والتعامل مع الحياة. يُظهر هؤلاء المؤمنون تواضعًا غير متكلف، فهم لا يسعون للمباهاة أو التفوق على الآخرين، بل يعيشون حياتهم بهدوء ورزانة بعيدًا عن المظاهر. السير “هونا” يُعبر عن سلوكهم اليومي الذي يتميز بالتواضع والتسليم لله في كل شؤونهم، مما يعكس مستوى عميق من الإيمان والروحانية.
الرد السلمي على الجهل والإساءة
وتستكمل الآية بالإشارة إلى تصرفاتهم الحكيمة عند مواجهة الجهل أو الإساءة. “وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا”، إذ يرفض عباد الرحمن الرد على الإساءة بالاساءة. عندما يواجهون الكلمات الجاهلة أو الهجوم من الآخرين، يختارون الرد بكلمات السلام. هذه الاستجابة الهادئة تكشف عن قدرة هؤلاء الأفراد على التحكم في غضبهم وعدم الانجراف وراء المشاعر السلبية. بدلاً من الانفعال أو الرد العنيف، يتخذون من السلام أسلوبًا في التعامل، مما يعكس تربية أخلاقية عالية وقدرة على تجاوز الأذى.
التحكم في النفس والاعتدال
الآية تسلط الضوء على التحكم في النفس باعتباره من أبرز صفات عباد الرحمن. في مواجهة الإساءة أو العنف اللفظي، يتمتع هؤلاء الأفراد بحكمة عالية تجعلهم لا يردون بغضب أو انتقام، بل يلتزمون بأعلى معايير الهدوء والاعتدال. هذه القدرة على كبح الغضب ليست مجرد رد فعل عابر، بل هي تعبير عن الصفاء الروحي والنضج الأخلاقي الذي يمنحهم القوة للتعامل مع تحديات الحياة بهدوء ورحابة صدر.
الرحمة والتسامح
الرد بـ “سلامًا” يحمل في طياته أيضًا الرحمة والتسامح، وهما من أبرز صفات عباد الرحمن. فعندما يختار المؤمن الرد بالكلمات الطيبة بدلاً من المواجهة، فهو بذلك يُظهر صورة من الرحمة التي يجب أن يسعى المسلمون لتجسيدها في حياتهم اليومية. هذا الموقف يعد دعوة عملية لكل فرد إلى التصرف بروح من التسامح والرحمة، بعيدًا عن التورط في الصراعات التي لا طائل منها.
دروس قيمة للمجتمع
الآية تقدم دروسًا عملية لجميع المسلمين في كيفية التعامل مع الإساءة والمواقف السلبية في حياتهم اليومية. فهي تحث على التحلي بالتواضع، والتحكم في النفس، والرد بالسلام حتى في أصعب الظروف. وفي مجتمع يعج بالصراعات والمشاحنات، تبقى هذه الصفات من أهم المبادئ التي تساهم في بناء بيئة صحية قائمة على الاحترام والتفاهم المتبادل