عاجل

مدارس بلا أمان.. «نيوز رووم» تحقق في كواليس تصاعد ظاهرة التحرش داخل الفصول

التحرش بالأطفال
التحرش بالأطفال

تشهد بعض المدارس خلال الفترة الأخيرة وقائع صادمة تتعلق بالتحرش بالأطفال داخل المؤسسات التعليمية، وهي حوادث أعادت فتح ملف حماية التلاميذ وفرضت حالة من القلق داخل المجتمع، فبينما يُفترض أن تكون المدرسة مساحة آمنة للتعلم وبناء الشخصية، تحوّلت في بعض الحالات إلى مصدر تهديد نفسي وجسدي للصغار، ما أثار مطالبات واسعة بضرورة تشديد الرقابة وتفعيل أدوات الحماية داخل المدارس.

التحرش الجنسي بالأطفال

وتكشف هذه الوقائع حجم الفجوة بين القوانين الموجودة على الورق وآليات التطبيق على أرض الواقع، كما تطرح تساؤلات حول مسؤولية المؤسسات التعليمية، ودور المعلمين، ومدى جاهزية منظومة التعليم للتعامل مع مثل هذه الجرائم الخطيرة التي تمس حق الطفل في الأمان والكرامة.

ظاهرة التحرش
ظاهرة التحرش

التحرش بتلاميذ إحدى المدارس الدولية

حيث يعيش الشارع المصري حالاً من الجدل والهلع وخاصة بعدما فجرت «جريمة تحرش» بعدد من تلاميذ إحدى المدارس الدولية للغات بأطفال صغار و"هتك عرضهم" بعد تهديدهم بالسكين وتكميم أفواههم، فضلاً عن ربطهم داخل إحدى غرف المدرسة، وفق شهادات أولياء الأمور، في غياب رقابة فعلية من إدارة المدرسة.

وفي التقرير التالي يرصد لكم موقع "نيوز رووم" في التقرير التالي أبرز وقائع التحرش التي حدثت في المدارس وإحصائيات وأرقام بشأن التحرش والعنف في 2025، وأراء الخبراء والمتخصصين في هذه الظاهرة وكيف يتم الحفاظ على الأطفال؟:

تقرير مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة

وثق تقرير من مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة 495 جريمة عنف ضد النساء والفتيات في النصف الأول من 2025، منها 122 واقعة تحرش جنسي، بالإضافة إلى 62 اعتداء على أطفال تحت السن القانوني. 

التحرش بتلاميذ بإحدى المدارس الدولية للغات

تم تقديم بلاغات من أولياء أمور ضد أربعة عاملين في مدرسة دولية بمدينة العبور، بعد اتهامهم بالتحرش والاعتداء الجنسي على أطفال، حتى باستخدام تهديدات بسكين، ربط الفتيان في غرف، وغيرها من الممارسات الفظيعة. وزارة التعليم تدخلت ووضعته المدرسة تحت إشراف إداري كامل بينما التحقيقات مستمرة.

الشيخ زايد: بلاغ ضد مدرس متهم بالتحرش بطالبة

في مدرسة بمدينة الشيخ زايد، ألقت قوات الأمن القبض على مدرس، على خلفية بلاغ تتهمه فيه طالبة (18 عامًا) بالتحرش بها، زاعمًا قدرتَه على "علاجها من المس" خلال لقاءات داخل المدرسة.

وأفادت التحريات بأن المتهم استغل وجوده في مكان خالٍ داخل المدرسة. وحررت المجني عليها محضرًا رسميًا، وأمرت النيابة بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيق. 

المرج: "ولي أمر مزيف" يهاجم طفلة داخل الحمام

في مدرسة بحي المرج، شرق القاهرة، تمكّن رجل أربعيني من دخول المدرسة منتحلًا صفة ولي أمر، وتتبع تلميذة تبلغ من العمر 7 سنوات إلى دورة المياه، حيث حاول الاعتداء عليها.

وبحسب التحقيقات، تدخلت شقيقتها وسيدة أخرى لمحاولة منعه، قبل أن يلوذ بالفرار. تم تحديد هويته من خلال كاميرات المراقبة، وأُلقي القبض عليه في منطقة عين شمس، واعترف بارتكاب عدة وقائع مشابهة.

ظاهرة التحرش
ظاهرة التحرش

تحرش بعدد من الطالبات

وتعرضت مجموعة من الطالبات للتحرش من قبل مدرس اللغة العربية والتربية الدينية داخل المدرسة، ما أثار حالة من الصدمة والغضب لدى الطالبات وأولياء أمورهن.

فيما تلقى قسم شرطة العمرانية بلاغًا من ولي أمر تلميذة في المرحلة الابتدائية يفيد بتعرضها للتحرش من مدرس يدعى "محمد. ش"، داخل مدرسة أحمد زويل بالعمرانية. وأكدت والدة الطفلة التي حررت المحضر أن التقرير الطبي أثبت أن الطفلة تعاني من صدمة نفسية من الموقف الذي تعرضت له من المدرس.

فيما أثارت تلك الواقعة ردود فعل قوية بين أولياء الأمور والمواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث طالب الكثيرون بضرورة تشديد الرقابة على المعلمين وتوفير بيئة تعليمية آمنة للطلبة والطالبات.

خلل عميق في منظومة الرقابة والإشراف

قال الدكتور محمد عبد العزيز، الخبير التربوي، إن حوادث التحرش داخل بعض المدارس خلال الفترة الأخيرة تكشف عن خلل عميق في منظومة الرقابة والإشراف، سواء في المدارس الخاصة أو الحكومية، مؤكدًا أن ما حدث ليس مجرد وقائع فردية، بل مؤشر على غياب سياسات وقائية واضحة داخل المؤسسات التعليمية.

وأوضح عبد العزيز في تصريحات خاصة لـ «نيوز رووم»، أن تكرار تلك الوقائع، خصوصًا من بعض العاملين داخل المدارس، يعكس حالة من التسيب الإداري وغياب المتابعة الفعلية، مشيرًا إلى أن الفرق بين المدارس الحكومية والخاصة لا يلغي المشكلة، بل يضاعفها، ففي المدارس الخاصة يفترض وجود مستويات أعلى من الانضباط والرقابة لأن ولى الأمر يدفع مقابل جودة التعليم وسلامة أبنائه، ومع ذلك تظهر حوادث صادمة بهذا الشكل، على حد قوله.

تعامل الوزارة مع الأزمة

وأضاف الخبير التربوي، أن ما زاد من قلق الرأي العام هو طريقة تعامل وزارة التربية والتعليم مع الأزمة، حيث يرى أن الوزارة تتحرك برد الفعل فقط، قائلًا: "كلما وقعت كارثة، نرى كتابًا دوريًا أو قرارًا جديدًا، لكن أين كانت الرقابة قبل وقوع الحادث؟".

وتساءل الدكتور محمد عبد العزيز عن معايير اختيار العاملين داخل المدارس، وهل يتم إجراء الفحص الجنائي (الفيش والتشبيه) لهم، أو إجراء مقابلات واختبارات نفسية وتربوية قبل التعيين، مؤكدًا أن غياب هذه المعايير يجعل الباب مفتوحًا أمام أشخاص غير مؤهلين أو غير جديرين بالتعامل مع الأطفال.

ظاهرة التحرش
ظاهرة التحرش

وأشار الخبير التربوي إلى أن تكرار هذه الوقائع يدل على إهمال جسيم في الإدارة المدرسية وفي منظومة المتابعة داخل الوزارة، مطالبًا بوضع قواعد إلزامية واضحة:

فحص شامل للعاملين قبل التعيين

تدريب إلزامي على حماية الطفل

رقابة دورية معلنة ومفاجئة

قنوات اتصال مباشرة بين أولياء الأمور والوزارة للإبلاغ عن أي تجاوز

وأكد عبد العزيز بأن حماية الطلاب ليست مسؤولية المدارس فقط، بل هي مسؤولية دولة، وأن التعامل مع قضايا التحرش داخل المدارس يجب أن يقوم على سياسات وقائية مستدامة وليس ردود أفعال مؤقتة بعد حدوث الكارثة.

شبكة منظمة 

ومن جانبه قال الخبير التربوي رفعت فياض إن ما جرى في مدرسة “سيدز” بالعبور يمثل واحدة من أخطر القضايا التي شهدتها المنظومة التعليمية في مصر، نظرًا لكون الجريمة ارتُكبت من قِبل مجموعة من الأشخاص وليس فردًا واحدًا، ولأن الضحايا عدة أطفال، ما يشير إلى أننا أمام “شبكة منظمة” مارست هذا الفعل الإجرامي لفترة ليست قصيرة قد تمتد لسنوات، وفق ما كشفت عنه التحقيقات الأولية.

وأوضح فياض أن الدراسات العالمية تشير إلى أن نحو 10% من الأفراد قد يتعرضون للتحرش في مرحلة ما من حياتهم، لكن ما حدث في هذه الواقعة “فريد وغير مسبوق”، سواء لطبيعته الجماعية أو لتكراره المتواصل دون أن ترصده إدارة المدرسة أو تتخذ حياله أي إجراء.

وأشار إلى أن التحقيقات تسير في مسارين متوازيين: الأول تقوده النيابة العامة بوصف ما حدث “جريمة مكتملة الأركان” يُحاسب عليها الجناة وكل من تستر عليهم.

الثاني تقوده وزارة التربية والتعليم، التي سارعت بإرسال لجنة تفتيش أثبتت وجود “إهمال جسيم” داخل المدرسة، ما دفع الوزارة إلى وضعها تحت الإشراف المالي والإداري الكامل، وإبعاد الإدارة الحالية بشكل نهائي لحين الانتهاء من فحص جميع المخالفات.

إصدار كتاب دوري مُلزم يُطبق على جميع المدارس

وأضاف أن الوزارة أحالت المسؤولين المتورطين أو المتسترين إلى التحقيق، وبدأت في إصدار كتاب دوري مُلزم يُطبق على جميع المدارس الخاصة والدولية، تلك المدارس التي اعتقد بعض القائمين عليها سابقًا أنهم “فوق الرقابة”.

وأكد فياض أن السؤال الأهم الآن هو: أين كانت الرقابة قبل وقوع الكارثة؟ مشددًا على أن المتابعة يجب أن تكون وقائية لا ترقيعية، وأن المدرسة تتحمل المسؤولية الأولى لأنها المكان الذي اؤتمنت على الأطفال.

وقال إن الواقعة تكشف عن خلل إداري ورقابي خطير، خاصة أن أولياء الأمور يدفعون مصروفات مرتفعة تتراوح بين 60 و80 ألف جنيه سنويًا، ما يفترض معه مستوى أعلى من الانضباط والرقابة والالتزام التربوي.

وعن الإجراءات الجديدة، أوضح فياض أن الوزارة ألزمت كل المدارس الخاصة والدولية بعدة قرارات صارمة، أبرزها:

أبرز قرارات وزارة التعليم بعد الواقعة

تحديث منظومة كاميرات المراقبة لتغطي جميع أركان المدرسة دون استثناء، خاصة أن الجريمة وقعت في منطقة لا تشملها الكاميرات.

تعيين أكثر من موظف لمتابعة الكاميرات لمنع التلاعب أو تعطيلها من قِبل أفراد قد تكون لهم علاقة بالمخالفات.

إجراء كشف دوري شامل للعاملين (أمن – مشرفين – إداريين – معلمين – عمّال) وإرسال النتائج للإدارة التعليمية كشرط لتجديد الترخيص.

منع وجود عمال الصيانة أو أفراد الأمن داخل مباني المدرسة أثناء ساعات الدراسة، واقتصار وجودهم على الأبواب والمناطق المخصصة فقط.

تواجد عاملتين أمام كل دورة مياه لمرافقة الأطفال والتأكد من سلامتهم.

مهلة أسبوعين فقط للمدارس لتنفيذ القرارات بالكامل.

أمن الأطفال خط أحمر لا يحتمل أيّ تهاون

واختتم رفعت فياض مؤكّدًا أن ما حدث كشف حجم الفجوة الرقابية داخل بعض المدارس الخاصة، وأن الإجراءات الجديدة قد تُعد بداية لإعادة الانضباط، بشرط استمرار الرقابة الفعلية لا الورقية، لأن “أمن الأطفال خط أحمر لا يحتمل أيّ تهاون”.

ومن جانبه قال الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي، إن حوادث التحرش بالأطفال التي ظهرت في أكثر من مدرسة خلال الفترة الأخيرة لا يمكن النظر إليها باعتبارها مجرد تصرفات فردية، بل تمثل مؤشرًا على خلل خطير قد يتجاوز حدود الاعتداء نفسه، وقد يشير في بعض الحالات إلى وجود ممارسات منظمة لأغراض قد تصل إلى الابتزاز أو التصوير غير المشروع.

وأوضح "فرويز"، في تصريحات خاصة لـ «نيوز رووم»، أنه من غير المنطقي، وفق خبرته المهنية، أن تقع عدة حوادث داخل المكان نفسه وفي توقيت متقارب من دون وجود شبهة تنظيم أو اتفاق، مشيرًا إلى أن خطورة الأمر قد تتجاوز التحرش ذاته إلى احتمالات أخرى يجب ألا تستبعدها جهات التحقيق.

ظاهرة التحرش
ظاهرة التحرش

ظاهرة التحرش بالأطفال

وأشار أستاذ الطب النفسي إلى أن ظاهرة التحرش بالأطفال ليست جديدة، فهي موجودة تاريخيًا في مختلف الحضارات والمجتمعات، ولا تقتصر على دولة بعينها، مستشهدًا بحوادث مشابهة في الولايات المتحدة وإنجلترا ومؤسسات دينية ورياضية واجتماعية حول العالم، ما يؤكد أن الظاهرة عالمية، لكنها تتفاقم عند غياب الرقابة والوعي.

وقال "فرويز" إن البداية الحقيقية للحماية هي الأسرة، فوفق الدراسات، نحو 80% من حالات التحرش بالأطفال تأتي من داخل الدائرة القريبة جدًا من الطفل: الأقارب، المعارف، الجيران، أو الأشخاص الذين منحهم الأهل ثقتهم بلا تمحيص، مثل بعض العمال أو المشرفين في المدارس والنوادي ودور العبادة.

وهنا – بحسب فرويز – تكمن الكارثة: الثقة المطلقة من دون متابعة، مشددًا على ضرورة أن ينتبه الأهل للعلامات السلوكية التي قد تظهر على الطفل، والتي غالبًا ما يتم تجاهلها أو إنكارها، ومنها:

بكاء الطفل عند الذهاب إلى مكان معين

رفضه المتكرر للحضور

تغيّرات في الشهية

القلق والخوف المفاجئ

الشحوب أو التعب

الشكوى من ألم في مناطق معينة

العزلة أو انخفاض التحصيل الدراسي

العقاب أو التشكيك

التعامل الصحيح مع الطفل يبدأ بالاحتواء والدعم

وأضاف "فرويز" أن بعض الأطفال عندما يخبرون أهلهم بما تعرضوا له، يفاجَأون بالعقاب أو التشكيك، وهو ما يضاعف الصدمة ويحول الضحية إلى مدان، وكأنه هو المخطئ وليس المعتدى عليه.

وأكد الدكتور جمال فرويز أن التعامل الصحيح مع الطفل يبدأ بالاحتواء والدعم، لا بالإنكار أو لوم الضحية، موضحًا أن الطفل يجب أن يشعر بالأمان وأن أسرته هي ملاذه وليس مصدرًا للخوف. كما دعا إلى تعزيز الثقة بالنفس لدى الأطفال وتثقيفهم بحقوقهم وحدود أجسادهم وكيفية التصرف عند التعرّض لأي محاولة اعتداء.

واختتم بأن مواجهة الظاهرة تحتاج إلى تضافر الأسرة والمدرسة ووزارة التربية والتعليم، من خلال برامج توعية حقيقية، وفحص دقيق لكل من يتعامل مع الأطفال، ورقابة صارمة على المؤسسات التعليمية، حتى لا تتحوّل المدارس – وهي المكان المفترض أن يكون الأكثر أمانًا – إلى مصدر تهديد نفسي وجسدي للأطفال.

 

تم نسخ الرابط