خبراء الاقتصاد: استمرار الترويج للمتحف المصري الكبير ضرورة لهذه الأسباب
يشهد المتحف المصري الكبير إقبالًا كثيفًا من الزوار منذ افتتاحه االرسمي مطلع الشهر الجاري، حيث يستقبل حوالي 19 ألف زائر يومياً، ليتجاوز بذلك التوقعات الأولية، مما أدى إلى حالة من التكدس المروري الكبير في الطرق المؤدية إليه.
وأجمع الخبراء أن هذا الإزدحام هو بداية موجة اقتصادية واعدة ستنعكس بشكل إيجابي على زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي، وثقة المستثمرين، ورواج السياحة العربية والأجنبية، مؤكدين على ضرورة استمرار الترويج للمتحف بصفة مستمرة، وألا يكون الأمر مقتصر على الافتتاح فقط.
وأشاروا إلى أن قرض تمويل إقامة المتحف الذي حصلنا عليه من اليابان بدايةً من عام 2006 عندما اقترح الدكتور فاروق حسني وزير الثقافة آنذاك على الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك فكرة إنشاء المتحف، هو قرض ميسر ذو فترة سداد طويلة، ويمكننا سده من إيرادات المتحف، مؤكدين أن اليابان دولة داعمة للثقافة وتهدف إلى تحقيق تنمية حقيقية بالدول النامية مع مراعاة ظروفها الاقتصادية.
قال الدكتور أحمد شوقي الخبير الاقتصادي، إن ما نشهده اليوم من إقبال استثنائي وتكدس مروري في طريق الذهاب إلى المتحف المصري الكبير هو مجرد بداية لموجة اقتصادية واعدة ستنعكس على الدخل القومي، والاحتياطي من النقد الأجنبي، وفرص العمل، وثقة المستثمرين.
وأضاف أنه من المتوقع أن يكون المردود الاقتصادي في سياق الترويج للسياحة الثقافية والاستثمارات المرتبطة بها كبير بعد بدء استقبال المتحف المصري الكبير للزوار من مختلف دول العالم، لافتًا إلى أن الأثر لن يكون فوريًا بالكامل لجميع القطاعات.
وأوضح أننا سنشعر ببعض التأثيرات من إيرادات، وتشغيل بشكل سريع، لكن البعض الآخر مثل: الاستثمار طويل الأجل، وتحول البنية التحتية، فيحتاج سنوات كي يتبلور.
استراتيجية طويلة الأمد
وشدد على أهمية تحقيق الاستفادة القصوى للحكومة والمجتمع من هذا الزخم - ليس فقط من خلال عدد الزوار - ولكن عبر استراتيجية طويلة الأمد لتطوير المنطقة المحيطة سياحيًا، وثقافيًا، تجاريًا.
وبسؤاله على أي مدى زمني سنشعر بالمردود، أفاد الخبير بأنه من المتوقع أن نرى تأثير سريع ملموس خلال فترة من سنة إلى سنتين. وذلك من خلال زيادة مباشرة في مدخلات التذاكر، ومتاجر الهدايا، فضلًا عن ارتفاع الطلب على الفنادق والمطاعم في الجيزة والقاهرة.
النقد الأجنبي الوارد
وتابع: "سيكون الأثر فوري على النقد الأجنبي الوارد إذا كان جزء كبير من الزوار أجانب، وسينعكس ذلك في حسابات السياحة بميزان المدفوعات، وكذا يبدأ الانعكاس على الاحتياطي النقدي الأجنبي".
وأوضح أنه خلال فترة ( من 3 - 5 سنوات ) سنرى تأثير متوسط الأمد، وهو الأكثر أهمية، حيث دوران المضاعف، ونشأة مشروعات صغيرة ومتوسطة حول المتحف (مطاعم، نقل، تذكارات، خدمات سياحية)، وارتفاع فرص العمالة المحلية.
هذا بالإضافة إلى توسع في استثمارات فندقية وتجارية جديدة قد تتحقق بعد رؤية الطلب المستدام، وهذا هو الأفق الذي سنشعر فيه بالتحول الحقيقي في التشغيل والإيرادات، وفقًا للخبير الاقتصادي.
تحول هيكلي في الاقتصاد
وتوقع شوقي أن ما بعد 5 سنوات وبشكل مستدام - والذي سيكون أفضل النتائج عند وجود تخطيط موازي – قد يكون هناك تحول هيكلي محتمل في اقتصاد مناطق الجيزة، مثل: زيادة الاستقرار الوظيفي، وتحسن البنية التحتية، ونشاط سوق العقارات التجاري.
- كما لفت إلى أهمية وضع سياسة تسعير وتجارب مميزة مثل: حوافز للحجز المسبق، وباقات ثقافية تربط المتحف بالإقامة الطويلة لجذب إقامة أطول وزيادة الإنفاق الليلي، باالإضافة إلى حزمة خدمات للمسافر الأجنبي مثل: توقيع شراكات مع الفنادق والناقلين لجذب شرائح سياحية متكاملة، فتزيد متوسط الإقامة ومصاروفات الزائر.
مؤشرات الأداء الرئيسية
أشار إلى ضرورة الترويج الدولي المركز على سياحة الثقافة الراقية، والتسويق لأسواق ذات متوسط إنفاق أعلى، مع تتبع مؤشرات الأداء الرئيسية “KPIs” متوسط الإنفاق للزائر، ومتوسط الإقامة، ونسبة الزوار الأجانب، وكذلك مؤشر رضا الزائرين، مثل تقليل الإزدحام لتعظيم المردود.
ولتقليل أثر الازدحام، أوصى الخبير بضرورة العمل على تنسيق مروري فوري حول المتحف من مسارات مخصصة للحافلات السياحية، وتوقيتات دخول متباعدة، وتعزيز النقل العام، وربط المتحف بمطار سفنكس ومحطات قطار سياحية، مشيرًا إلى إلى ضرورة وضع خريطة استثمار بنيوية من خلال ربط جزء من عوائد التذاكر لتطوير البنية التحتية المحلية (طرق، مواقف، مرافق عامة) لتقليل تكلفة الازدحام على المدى المتوسط
واختتم حديثه قائلًا: "إن نجحت السياسات من تطوير النقل، وتحسين تجربة الزائر، والتسويق الدولي للمتحف، فسيصبح المتحف محركًا مستدامًا للنمو السياحي عالي القيمة".
ومن ناحيته، توقع عماري عبد العظيم الخبير السياحي ورئيس شعبة السياحة والطيران بالغرفة التجارية سابقًا، تزايد أعداد الوفود السياحية الأجنبية والعربية إلى نحو 17 – 18 مليون سائح في 2026، بسبب افتتاح المتحف المصري الكبير، لافتًا إلى أن متوسط الوفود السياحية في الفترات الماضية كان يقدر بحوالي 14 مليون سائح سنويًا.
وأعرب عن توقعاته بزيادة الدخل الوارد من السياحة للاقتصاد القومي خلال فترة الـ 6 أشهر المقبلة، موضحًا أن الفترة الحالية تشهد رواج سياحي، نظرًا لبدء موسم الشتاء، وهو الموسم السياحي في مصر، مشيرًا إلى أن الزيادة المتوقعة في أعداد السائحين تستلزم زيادة عدد الفنادق التي تكفي الأعداد الموجودة حاليًا.
تخطيط مسبق
وأشار إلى أن الاستثمارات التي أتاحتها الدولة مؤخرًا في الفنادق، وتطوير مطار سفنكس ومطار القاهرة، هي تخطيط مسبق استعدادًا للحدث السياحي الضخم، لافتًا إلى أن ذلك تم من خلال منح أراضي للاستثمار الأجنبي والمصري لتعزيز الطاقة الاستيعابية بالفنادق.
كما لفت عبد العظيم إلى أن استحداث وزارة السياحة لنظام "هووم هوليداي"، يصب في توسيع دائرة الطاقة الاستيعابية للإقامة الفندقية.
الطاقة الاستيعابية الفندقية
ويشير هذا النظام إلى نمط جديد من أنماط الإقامة الفندقية، ويشمل كل وحدات فندقية موجودة بمباني مستقلة بها، ولا يقل عددها عن 8 وحدات سكنية (سواء شقة أو استديو)، ويتوافر فيها بعض الخدمات الأساسية، وتُعد لاستقبال المصريين أو الأجانب.
ويعمل هذا النظام على تنويع أنماط الإقامة السياحية في مصر ولا سيما من خلال تقنين أوضاع بعض وحدات الإقامة الموجودة حالياً بعد التأكد من مستوى جودة الخدمات السياحية المقدمة بها، وبما يعزز من قدرة المقصد السياحي المصري على استيعاب الزيادة المستهدفة في أعداد السائحين خلال السنوات المقبلة، ويشجع على جذب استثمارات جديدة في مجال الإقامة السياحية
وأشار الخبير السياحي إلى أن افتتاح المتحف المصري الكبير بحضور حوالي 400 قناة عالمية، ودعوة رؤساء العديد من الدول، سلط الضوء على الحدث، أفرز حالة من التشوق لزيارته، ونتيجة ذلك رأينا تزايد في أعداد الزوار من الداخل والخارج، مشيرًا إلى أن المتحف يعزز ويدعم الترويج للسياحة الثقافية.
وأضاف أن إنشاء موقع إلكتروني لحجز التذاكر لتخفيف حدة التزاحم على شباك التذاكر هو أكبر دليل على توافد العديد من السائحين العرب والأجانب، متوقعًا أن تكون زيارة االمتحف الكبير ضمن أساسيات البرامج السياحية للشركات في الفترة المقبل، مشيرًا إلى أن المدارس بدأت تنظم رحلات للمتحف، بالإضافة إلى دعوة الجهات بالداخل، وكذلك الصدى الكبير خارجيًا.
استمرار التسويق
وشدد عماري على أهمية استمرار التسويق للمتحف كل فترة، وألا يقتصر االأمر على الافتتاح فقط، لضمان مواصلة تنشيط السياحية الثقافية، مؤكدًا أن المتحف الكبير يعد حلقة ضمن حلقات عملية تطوير أشمل، وأنها لا بد أن تتسم بالاستمرارية، ولكن بالتدريج..
ولفت الدكتور رشاد عبده رئيس "المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية" والخبير الاقتصادي الدولي، إلى أن سداد القرض الذي قدمته اليابان لتمويل "المتحف المصري الكبير" من إيرادات المتحف هو أمر ممكن نظريًا، خاصةً مع الإقبال الكثيف من قبل الزوار، لعدة أسباب.
وأوضح أن أهم هذه الأسباب يكمن في اختلاف الحكومة اليابانية عن نظيراتها الأمريكية والكندية والفرنسية، حيث تهتم بشكل كبير بالبعد الإنساني والحضاري والثقافي، لذلك تمنح القروض بفائدة منخفضة، وتتيح السداد على مدى زمني طويل، فهي تضع في اعتبارها عند مساعدة الدول النامية إحداث تنمية حقيقية فيها.
أما أمريكا، على سبيل المثال، فشترط أن تكون دراسة الجدوى والآلات المستخدمة والاستشاريين من أمريكا، مما يعني تكلفة كبرى تبتلع جزء كبير من المساعدات أو القروض.
السياحة الخارجية
ولفت عبده إلى أنه كان من المفترض أن يدفع الأجنبي ثمن التذاكر بالدولار، وليس باالجنيه المصري، لتوفير العملة الصعبة بشكل فوري، على غرار الفنادق.
وأشار إلى أهمية جذب السياحة الخارجية عن طريق عمل دعايا دائمة، بتصوير المتحف الكبير، وكذلك المتاحف المفتوحة المجانية في الاقصر وأسوان، فضلًا عن إبراز جمال الإسكندرية، والقصور القديمة، وإنتاج أفلام وثائقية صغيرة عن معالم السياحة المصرية.
واختتم حديثه: "يجب علينا أن نشكر الحكومة اليابانية، فلولًا مساعدتهم االتي بدأت منذ 2006 في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك، ووزير الثقافة الدكتور فاروق حسني آنذاك، صاحب اقتراح فكرة المتحف، لما اكتمل بناء المتحف".
التكلفة الإجمالية
وبلغت التكلفة الإجمالية لإنشاء المتحف المصري الكبير حوالي 1.2 مليار دولار، منها 760 مليون دولار قدمتها وكالة التعاون الدولي اليابانية "جايكا" كقروض ميسرة، بينما قامت الحكومة المصرية بتمويل باقي المبلغ.
تم تقسيم القروض التي قدمتها اليابان على قرضين من خلال وكالة التعاون الدولي اليابانية "جايكا": القرض الأول كان عام 2006 بقيمة 300 مليون دولار، والثاني كان عام 2016 بقيمة 460 مليون دولار.
يتم سداد القرض على شريحتين: الأولى في عام 2006 تسدد على 20 عامًا بعد سماح 10 سنوات، والثانية في عام 2016 تسدد على 18 عامًا بعد سماح 7 سنوات


