عاجل

سامح عسكر: هجوم الإخوان على «دولة التلاوة» يكشف أهمية البرنامج في التنوير

دولة التلاوة
دولة التلاوة

علّق المحلّل السياسي سامح عسكر على الهجوم الواسع الذي تعرّض له برنامج "دولة التلاوة"، مؤكّدًا أنّ هذا البرنامج يُعدّ خطوة في مسار التنوير، لافتًا إلى أنّ السلفية الوهابية عندما اخترقت المجتمعات قديمًا اعتمدت في انتشارها على التأثير في الذوق العام.

 

وقال عسكر في تغريدة له عبر حسابه على منصة «إكس»: هجوم السلفيين والإخوان على برنامج  دولة التلاوة يكشف أهمية هذا البرنامج في التنوير السلفية الوهابية عندما اخترقت المجتمعات قديما كان ذلك عن طريق الذوق، بتحقير الذوق الوطني والفنون الوطنية والاحساس الوطني، وتقديم في المقابل الذوق الخليجي والإحساس الخليجي. ومن تلك الزاوية جرى تقبيح أصوات عظيمة مثل الطبلاوي وعبد الباسط والمنشاوي وغيرهم من عظماء التلاوة المصرية، وربط هؤلاء بالبدع، في المقابل تم تصعيد قراء الخليج مثل السديسي والعجمي والشريم والقطان وغيرهم وربط هؤلاء بالسنة. الصحوة الوهابية الإخوانية لم تكن فقط سياسية انما كانت فنية أيضا، اخترقت الشعور والوجدان الاسلامي والعربي. اعتمدت قضايا فكرية متشددة للغاية والربط بينها وبين تلك الأصوات الخليجية الجديدة، ولذلك ترون أصوات الشباب السلفي الذي ظهر مؤخرا بالقراءة لا يقرا بالطريقة المصرية إنما يلتزم بالخليجية حصرا، لأنه تعلم التشدد والتطرف بناء على ذلك الذوق بالأساس. الحرب على الإرهاب والفكر التكفيري ليست محصورة فقط في الجانب السياسي ولا الأمني ولا الفكر ولا الاجتهاد الديني، إنما أيضا بمحاربة الميول والأذواق المتشددة.

وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف أن الحملة التي يقودها بعض المتشددين ضد برنامج دولة التلاوة ليست سوى انعكاسٍ لحالة من الجمود الروحي الذي يفصل العبادة عن معناها وذوقها وجمالها، ويحيل التدين إلى مجموعة أوامر ونواهٍ تُؤدَّى بلا محبة ولا إشراق.

 

الجمال قيمةً إيمانية

 وقالت وزارة الأوقاف  إن هذا التيار الذي يشتد في الأحكام ويقسو في الخطاب إنما ينظر إلى الدين من زاوية مادية جافة، فيغيب عنه أن الشرع جعل الجمال قيمةً إيمانية أصيلة بنص قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميل يحب الجمال».

قيمة التلاوة المتقنة

وأوضحت الأوقاف  أن الهجوم على دولة التلاوة يعكس عدم إدراك لقيمة التلاوة المتقنة، وللدور الذي لعبته مدارس الأداء القرآني في تاريخ الأمة، مشيرة إلى أن السنة النبوية أقرّت صراحة تحسين الصوت بالقرآن؛ إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «زينوا القرآن بأصواتكم»، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن. وأضافت أن كبار العلماء، وفي مقدمتهم شُرّاح الحديث كابن حجر العسقلاني، قرروا أن التغني المشروع هو تحسين الأداء ومراعاة النغم الموزون الذي يساعد على الخشوع ولا يغيّر حرفًا ولا حكمًا.

فقه الأئمة الأربعة

وشددت وزارة الاوقاف  على أن هذا المنهج الوسطي هو ما سار عليه فقه الأئمة الأربعة، الذين أجازوا التحسين الصوتي ما دام رصينًا منضبطًا، ورأوا أن التذوق الجمالي للتلاوة بابٌ من أبواب التدبر، وليس مظهرًا للهو أو التساهل. وعليه فإن رفض الغلاة لكل قراءة جميلة أو أداء فني منضبط ليس موقفًا له أصل شرعي، بل هو ثمرة حسٍّ جافٍّ لا يرى في القرآن إلا أداء الفريضة، دون اعتبار لجمال النطق وحسن الترتيل الذي نزل به جبريل عليه السلام.

 العمارة الإسلامية

وأضافت الأوقاف أن أزمة هذا التيار لا تقف عند حدود التلاوة، بل تمتد إلى النظر إلى الفن والعمران والآثار والتاريخ، إذ يختزلون العمارة الإسلامية في “حجارة”، ولا يرون في الحضارات إلا “مادة”، غافلين عن أن العمارة الإسلامية ـ بما فيها من وحدة وتناغم هندسي ـ تجسد عقيدة التوحيد في صورة فنية راقية، وأن الشرع دعا صراحة إلى الاعتبار بتاريخ الأمم، لا إلى طمس آثارها وتشويهها.

الخطاب المادي

وبيّنت وزارة الأوقاف أن هذا الخطاب المتشدد، في جوهره، يشترك مع الخطاب المادي المنفلت في غياب الروح؛ فالأول يختزل الدين في أحكام بلا جمال، والثاني يختزل الوجود في عالم بلا قداسة، وكلاهما لا يدرك أن الدين نور يُذاق كما يُفهم، وأن العبادة بلا جمال تتحول إلى صورة جامدة لا حياة فيها.

مدرسة مصرية عريقة

وأكدت وزارة الأوقاف أن دولة التلاوة يأتي امتدادًا لمدرسةٍ مصريةٍ عريقة قدمت للأمة أعظم القراء، وأن دعم هذا البرنامج هو دعم لرسالة مصر الدينية والحضارية، وإحياء لتراث التلاوة الذي نشر الخشوع والجمال في العالم الإسلامي. كما شددت على أن الوزارة ستواصل تعزيز كل ما يرتقي بالذوق الديني ويحفظ روح القرآن وجماله، في مواجهة خطاب التشدد الذي يسيء لصورة الدين ويجافي سماحته.

التدين الحق

وأكدت الأوقاف أن التدين الحق يجمع بين العلم والروح والجمال، وأن الأمة لم تعرف في تاريخها هذا الضيق بالجمال والتلاوة والفن إلا عند تيارات متشددة فقدت القدرة على التذوق، مؤكدة أن القرآن نزل ليُتلى بإتقان يفتح القلوب، لا بأداء جاف يخاصم هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسَنَن الأمة في تلقي كلام الله.

 

تم نسخ الرابط