ما حكم التسبيح باليد اليسرى .. وهل تعد من البدع ؟..الإفتاء توضح
الأصل في اليد اليسرى في الوضع اللغوي أنها لمعاونة اليد اليمنى، وكل أمر في القرآن والسنة بالتسبيح إنما ورد على سبيل الإطلاق، ولم يرد ما يمنع التسبيح باليد اليسرى، ولا ما يخصص اليد اليمنى، بل ورد استعمال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدَه اليسرى في بعض العبادات.
كما أن اليدين وسيلة لضبط العدِّ؛ فيحصل العد باليمنى، ويحصل باليسرى، ويحصل بهما معًا، والأمر في ذلك واسع، وليس لأحد أن ينكر فيه على أحد، مع استحباب البدء باليمنى؛ لأن السنة حثت على التيامن
ما حكم التسبيح باليد اليسرى .. وهل تعد من البدع ؟
الأصل في اليد اليسرى في الوضع اللغوي أنها لمعونة اليد اليمنى، ومن هنا جاء اشتقاقها من اليسر وهو بمعنى السهولة؛ قال الإمام الرازي في مفاتيح الغيب: اليسر في اللغة معناه السهولة؛ ومنه يقال للغنى والسعة اليسار؛ لأنه يسهل به الأمور، واليد اليسرى قيل تلي الفعال باليسر، وقيل إنه يتسهل الأمر بمعونتها اليمنى.
وقال الإمام القرطبي في تفسيره: سميت اليد اليسرى تفاؤلًا، أو لأنه يسهل له الأمر بمعاونتها لليمنى.
وقد جاء الأمر من الله تعالى في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بالتسبيح على وجه الإطلاق؛ ليشمل جميع الأوقات والأحوال والكيفيات، كما جاء الأمر في السنة النبوية بالتسبيح بعدد معين في بعض المواطن ولم يعين للناس كيفية لضبط العد كي يلتزموا بها وجوبًا دون غيرها، بل جاءت الأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة الكرام حاملي السنة وشاهدي الوحي بالعد بمختلف الكيفيات.
قال أبو الحسين البصري في المعتمد في أصول الفقه: قد يدخل المكان في مثل الزمان في الأغراض وقد لا يدخلان فيه، فمتى علمنا كونهما غرضين اعتبرناهما وإلا لم نعتبر، أمثال ذلك: الوقوف بعرفة، وصوم شهر رمضان، وصلاة الجمعة، والزمان والمكان غرضان في هذه الأفعال؛ فاعتبرناهما في التأسي، ومثال الثاني: أن يتفق من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتصدق بيمناه في زمان مخصوص ومكان مخصوص فإنا نكون متأسين به إذا تصدقنا في غير ذلك المكان والزمان وباليد اليسرى، وإنما شرطنا أن نفعل الفعل.
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعقد التسبيح»، زاد أبو داود: قال ابن قدامة: «بيمينه».
وهذه الزيادة تفرد بها محمد بن قدامة دون باقي من روى هذا الحديث وهم كثيرون، بعضهم يقول: «بيده»، وبعضهم يطلق القول بـ«يعقد التسبيح» ولا يزيد عليه.
وكلمة بيده اسم جنس يدخل فيه اليد اليمنى واليد اليسرى، وإنما يستحب أن يبتدئ المسبح في عده التسبيح باليد اليمنى؛ وذلك لما ورد في السنة الشريفة من استحباب التيامن في الأمور كلها.
وقد جاء في السنة النبوية الشريفة النص على استعمال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لليد اليسرى في عد آي القرآن، والقرآن هو أفضل الذكر؛ وبوب لذلك الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه البيان في عد آي القرآن فقال: باب ذكر من رأى العقد باليسار، وأخرج فيه عن أم سلمة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعد بسم الله الرحمن الرحيم آية فاصلة، الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين وكذلك كان يقرؤها، إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم إلى آخرها سبع، وعقد بيده اليسرى وجمع بكفيه».
وأخرج أيضًا عن التابعي الجليل ابن سيرين: أنه كان يعد الآي في الصلاة بشماله.
وأخرج عن التابعيين الجليلين طاوس ومحمد بن سيرين أنهما كانا لا يريان بأسًا بعقد الآي في الصلاة، وكان ابن سيرين يعقد بشماله.
وأخرج عن إبراهيم بن سعد عن أبيه: أنه رأى عروة بن الزبير رضي الله عنه يعقد الآي بيساره في الصلاة.
وظاهر عد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأيام الشهر بأصابع يديه الشريفتين فيما ورد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «الشهر كذا، وكذا، وكذا» وصفق بيديه مرتين بكل أصابعهما ونقص في الصفقة الثالثة إبهام اليمنى أو اليسرى؛ يفيد صفة العد بأصابع اليدين على المألوف، فكذلك ليكن عقد التسبيح بأصابع اليدين كلتيهما.
ولقد خصت السنة النبوية الشريفة استعمال الأنامل في ضبط العد بالذكر؛ فإنهن مسئولات مستنطقات ضمن ما يشهد للإنسان أو عليه من أعضائه يوم القيامة؛ وذلك فيما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث يسيرة رضي الله عنها وكانت من المهاجرات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، واعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات، ولا تغفلن فتنسين الرحمة»، والأمر في هذا الحديث الشريف أطلق الأنامل ولم يخصصها بإحدى اليدين دون الأخرى، والأمر إذا جاء مطلقًا عم بالتناول جميع كيفياته.
والذي يشير إليه هذا الحديث الشريف هو أنه كلما كثرت الأعضاء المستعملة في هذه العبادة كان أفضل؛ لتكثير ما يشهد له من أعضائه يوم القيامة، كما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن امرأة من بني كليب قالت: رأتني عائشة أسبح بتسابيح معي، فقالت: «أين الشواهد؟» تعني الأصابع.
ولقد أشار إلى هذا المعنى الإمام ابن دقيق العيد في كتابه إحكام الأحكام عندما علل استحباب المجافاة بين اليدين والجنبين في السجود فقال: والتخوية مستحبة للرجال؛ لأن فيها إعمال اليدين في العبادة.
وهذا الكلام يتسق مع ما ورد من كثير من الكيفيات في مختلف العبادات من استعمال اليد اليسرى فيها كاليد اليمنى؛ وذلك كرفع اليدين في الدعاء، واعتبارهما معًا من الأعضاء السبعة التي يجب السجود عليها، ووضعهما على الركبتين أثناء الركوع، وعلى الفخذين أثناء التشهد، وكقراءة القرآن والنفث فيهما ومسح البدن.. إلى غير ذلك من مختلف أنواع العبادات والهيئات داخل الصلاة وخارجها.
وعليه: فاليدان وسيلة لضبط العد، ويجوز للمسلم الاقتصار على اليد اليمنى في التسبيح، وكذلك اليد اليسرى، وله استعمال اليدين معًا ويستحب له البدء باليمنى، وليس لأحد أن ينكر على أحد في ذلك، فالأمر فيه واسع



