الأحزاب في غرفة الإنعاش… هل تنقذ تصريحات الرئيس السيسي الحياة السياسية في مصر؟
شهدت الساحة السياسية في مصر حالة غير مسبوقة من الحراك والجدل خلال الساعات الماضية، بعدما فجّر الرئيس عبد الفتاح السيسي موجة واسعة من النقاش بحديثه الصريح حول التجاوزات التي رافقت انتخابات مجلس النواب 2025. فبينما كانت البلاد تستعد للمرحلة الثانية من الاقتراع، أعادت تصريحات الرئيس ترتيب المشهد بالكامل، وفتحت الباب أمام أسئلة كبرى حول مستقبل العملية الانتخابية، وحدود الرقابة، ومدى جاهزية النظام السياسي لممارسة ديمقراطية حقيقية تعبر عن إرادة المصريين.
الحياة الحزبية والسياسية
وفي التقرير التالي يرصد لكم موقع نيوز رووم، مصير الحياة الحزبية والسياسية في مصر.
قال المفكر السياسي الدكتور جمال أسعد، إن الجدل الدائر حول انتخابات مجلس النواب 2025 لا يمكن اختزاله في مجرد أخطاء إجرائية أو تجاوزات حدثت خلال الأيام الماضية، مؤكدًا أن تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي سلطت الضوء على جزء من المشكلة، لكنها ليست أصل الأزمة.
مجرد شكل خارجي جوهر الانتخابات
وأضاف أسعد، في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، أن "القضية ليست قضية إجراءات انتخابية، فهذه مجرد شكل خارجي جوهر الانتخابات هو العملية السياسية ذاتها، وما إذا كان المناخ العام يسمح للناخب بأن يكون حرًا في اختياره دون وصاية أو ضغوط".
وأوضح المفكر السياسي أن أي نظام انتخابي سواء كان بالقائمة المطلقة أو النسبية أو الفردي—لا يمكن أن يحقق تمثيلًا حقيقيًا إلا إذا توفرت بيئة سياسية سليمة، قائلاً: "المسألة ليست نوع القائمة أو شكل النظام؛ المسألة هي: هل الناخب حر؟ هل يختار دون تأثير ديني أو طائفي أو قبلي أو اقتصادي؟".
هندسة انتخابية لا عملية سياسية
وأشار أسعد، إلى أن مشاكل الفرز أو توزيع الأموال الانتخابية تندرج تحت بند الإجراءات، لكن المشكلة الأكبر تكمن في النظام نفسه، مضيفًا: "عندما تعلن نتائج نصف البرلمان عمليًا قبل التصويت بسبب وجود قائمة واحدة بلا منافسة، فهذا لا يعد حياة سياسية، بل هندسة انتخابية ومصارحة مسبقة بالنتائج".
وانتقد أسعد المشهد الحزبي في مصر، رغم وجود أكثر من 105 أحزاب على الورق، موضحًا أن الغالبية منها بلا تأثير: "هذه ليست أحزابًا سياسية بالمعنى الحقيقي كثير منها تحول إلى كيانات خدماتية توزع بطاطين ومواد غذائية، وفقدت قيمتها الفكرية والتنظيمية بدون أحزاب حقيقية لا توجد حياة سياسية، وبدون سياسة لا قيمة للانتخابات، كما أن غياب العمل الحزبي أدى إلى غياب الوعي السياسي لدى المواطن، وبالتالي غاب الاختيار السياسي الحقيقي".
النظام الأمثل: نصفه قائمة نسبية.. ونصفه فردي
وأكد المفكر السياسي، أنه في ظل الظروف الحالية أن أقل تعديل ممكن هو الاتجاه إلى نظام مختلط: "نحتاج إلى نظام انتخابي نصفه بالقائمة النسبية لدعم الأحزاب وتمكينها من دخول البرلمان، والنصف الآخر بالنظام الفردي بما يتوافق مع طبيعة المزاج المصري وأن البرلمان يفقد قيمته إذا جاء نصفه بالتعيين غير المباشر أو بالقوائم المغلقة المضمونة مسبقًا".
حل الأحزاب غير الممثلة؟ ليس هو الحل
وعن مطالب البعض بإلغاء الأحزاب التي لم تحصل على مقاعد لدورتين متتاليتين، قال أسعد: "العدد الكبير للأحزاب ليس المشكلة المشكلة: أين هذه الأحزاب؟ ما علاقتها بالشارع؟ ماذا تقدم للجماهير؟ البعض رؤوساء الأحزاب لا يعرفون برنامج حزبه، إذا كان لديه برنامج من الأساس، وما نحتاجه ليس فقط تعديل قانون الانتخابات، بل تغيير المشهد السياسي كله، نحتاج أحزابًا حقيقية، ووعيًا سياسيًا، وحرية اختيار للناخب بدون ذلك ستظل الانتخابات مجرد إجراء شكلي لا يعبر عن إرادة الناس".
وقال الدكتور إكرام بدر الدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن المرحلة المقبلة تتطلب معالجة جادة لملف الأحزاب السياسية، وإن البرلمان القادم أمامه فرصة تاريخية لإعادة هيكلة المشهد الحزبي بما يعزز الحياة الديمقراطية ويقوي المشاركة الشعبية في صنع القرار".
تطوير الحياة الحزبية في مصر
وأضاف بدر الدين في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم أنه من بين المهام الأساسية التي يُنتظر أن يتناولها البرلمان القادم ملف تطوير الحياة الحزبية في مصر، مشيراً إلى أن تفعيل دور الأحزاب يُعد أحد الركائز الضرورية لتعزيز التجربة الديمقراطية.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن عدد الأحزاب في مصر يتجاوز 105 أحزاب، وهو رقم كبير من حيث الكم، لكنه ضعيف من حيث التأثير، إذ لا يتجاوز عدد الأحزاب الممثلة داخل البرلمان 15 حزباً، ومعظمها بتمثيل محدود، وأضاف أن هناك نحو 90 حزباً غير معروف للجمهور، لا يعرف المواطن اسم الحزب أو رئيسه أو برنامجه، ما يجعل التواصل مع الشارع محدوداً للغاية.
إصدار تشريعات تنظم الحياة الحزبية
وأكد بدر الدين أن المطلوب من البرلمان الجديد هو إصدار تشريعات تنظم الحياة الحزبية، وتضع إطاراً عملياً لتفعيل دور الأحزاب الفاعلة، وتقليل ظاهرة التشرذم الحزبي. وقال "من غير المنطقي أن يكون لدينا عشرات الأحزاب التي تتبنى التوجه نفسه، سواء يميناً أو يساراً، بينما يمكن أن تتوحد هذه القوى في كيانات كبرى تعبّر عن اتجاهات واضحة"، مضيفاً أن وجود 3 أو 4 أحزاب قوية ذات برامج واضحة سيكون أكثر فاعلية في تمثيل المواطنين وتحقيق المنافسة السياسية.