بين الحلم الاستراتيجي والواقع الجيوسياسي المعقد، تبرز فكرة "الناتو العربي" كمشروع طموح يثير تساؤلات مصيرية حول مستقبل الأمن في منطقة الخليج فبينما تتصاعد التهديدات الإقليمية، من البرنامج النووي الإيراني إلى هجمات الحوثيين على المنشآت الحيوية، وتتراجع الضمانات الأمنية الأمريكية التقليدية، تبحث دول الخليج عن نموذج أمني جماعي يمكنها من مواجهة التحديات المتزايدة لكن هذا الحلم الأمني يحمل في طياته مخاطر استراتيجية لا تقل عن الفرص التي يقدمها، مما يجعله أحد أكثر الملفات تعقيداً في المشهد الجيوسياسي الخليجي.
على جانب الفرص، يمكن لهذا التحالف أن يمثل نقلة نوعية في مفهوم الأمن الإقليمي، حيث يحول الدول الخليجية من كيانات تعتمد على الحماية الخارجية إلى فاعلين أمنيين مستقلين فمن خلال توحيد القدرات العسكرية والاستخباراتية، وتنسيق السياسات الأمنية، وبناء قوة ردع مشتركة، يمكن لدول الخليج أن تخلق نظاماً أمنياً أكثر استقراراً وقدرة على مواجهة التحديات كما أن هذا التحالف سيعزز من قدرة هذه الدول على التفاوض مع القوى الدولية من موقع قوة، بدلاً من موقع التابع الأمني الأهم من ذلك، أن هذا التحالف يمكن أن يكون نواة لتعاون اقتصادي أوسع، حيث أن الاستقرار الأمني هو حجر الزاوية لأي تنمية اقتصادية مستدامة.
لكن في الجانب الآخر، تواجه فكرة "الناتو العربي" تحديات جذرية تبدأ من الخلافات العميقة بين دول الخليج نفسها فالتنافس التاريخي بين السعودية والإمارات، والأزمة الدبلوماسية مع قطر التي لم تندمل جروحها ، والخلافات حول الملف اليمني، كلها عوامل تضعف الأساس الذي يمكن أن يقوم عليه أي تحالف أمني حقيقي يضاف إلى ذلك التباين في الرؤى الاستراتيجية، فبينما تفضل بعض الدول مواجهة مباشرة مع إيران، تفضل أخرى سياسة التفاهم والتنسيق الأمني هذا الاختلاف في التهديدات والإدراكات الأمنية يجعل من الصعب صياغة استراتيجية موحدة.
التحدي الأكثر خطورة هو كيف ستنظر إيران إلى هذا التحالف؟ فمن المرجح أن ترى طهران ان في "الناتو العربي" تهديداً وجودياً لها، مما قد يدفعها إلى تسريع برنامجها النووي وتصعيد أنشطتها الإقليمية، وبالتالي تبدأ سباق تسلح جديد في المنطقة، تكون نتيجة زيادة عدم الاستقرار بدلاً من تحقيقه كما أن هذا التحالف قد يخلق توترات مع القوى الدولية، خاصة إذا ما فسر على أنه محاولة للاستغناء عن الحماية الأمريكية، أو كتحول في موازين القوى الإقليمية.
من زاوية أخرى، يطرح هذا التحالف تساؤلات حول مدى استعداده لمواجهة التهديدات غير التقليدية، مثل الحرب الإلكترونية والهجمات على المنشآت الاقتصادية الحيوية، والتي أصبحت أكثر خطراً من التهديدات العسكرية التقليدية فبناء قدرات في هذا المجال يتطلب تقنيات متطورة وخبرات قد لا تمتلكها دول الخليج بشكل فردي، لكن تجميعها قد يكون أكثر تعقيداً مما يتصوره القادة.
في الختام، يمكن القول إن فكرة "الناتو العربي" تقف عند مفترق طرق، حيث تمثل من ناحية حلاً ضرورياً لواقع أمني متدهور، ومن ناحية أخرى مشروعاً محفوفاً بالمخاطر في منطقة مليئة بالصراعات والتناقضات نجاح هذا المشروع لن يعتمد فقط على الإرادة السياسية للدول الخليجية، بل على قدرتها على تجاوز خلافاتها التاريخية، ووضع تصور واضح لعلاقتها مع الجيران ومع القوى الدولية، وبناء مؤسسات أمنية مشتركة قادرة على مواجهة التحديات المعقدة السؤال الذي يبقى معلقاً هو هل ستستطيع دول الخليج تحويل هذا الحلم إلى واقع، أم أن الخلافات والتنافسات الداخلية ستظل العقبة التي تحول دون تحقيق أي تكامل أمني حقيقي؟
00
أيام
00
ساعات
00
دقائق
00
ثواني
🎉 افتتاح المتحف الكبير ! 🎉