بين المكسب السياسي والخسارة الاقتصادية.. خبير اقتصادي: أوبك بلس تلعب بورقة الضغط على الكبار | خاص

قال إسلام جمال الدين شوقي الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، إن قرار أوبك بلس برفع سقف الإنتاج لم يأتِ بمعزل عن السياقات الاقتصادية والسياسية الحالية، بل يُظهر بوضوح استراتيجية معقدة تتبعها الدول المنتجة للنفط والتي تمزج بين حسابات قصيرة الأجل تتعلق بتقلبات السوق، وطموحات طويلة الأجل تهدف لتعزيز النفوذ والسيطرة على مسار الإمدادات العالمية، فبالرغم من التراجع الملحوظ في أسعار النفط إلا أن منظمة "أوبك+" قد قررت بقيادة دول كالسعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت والجزائر وسلطنة عمان وكازاخستان زيادة إنتاجها بنحو 411 ألف برميل يوميًا متجاوزةً كل التوقعات، ومثيرة بذلك تساؤلات عديدة حول الأهداف الخفية وراء هذه الخطوة في هذا التوقيت البالغ الحساسية.
دوافع القرار
وأوضح فى تصريح خاص لـ "نيوز روم" أنه في واقع الأمر يبدو قرار زيادة الإنتاج للنفط غير متّسق مع منطق السوق والذي عادةً يدعو إلى تقليص المعروض عندما تنخفض الأسعار، ولكن تكمن خلف هذا التوجه رهانات الدول المنتجة على تحسن متوقع في الطلب العالمي على النفط خلال النصف الثاني من العام الجاري مدفوعةً بتوقعات بانفراج نسبي في الأوضاع الاقتصادية العالمية، كما تسعى بعض الدول مثل روسيا، لتعويض خسائرها المالية نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها مما يدفعها لزيادة صادراتها النفطية بأي ثمن، حتى وإن كانت الأسعار الحالية في مستوى منخفض، وقد يكون هذا القرار محاولة من التحالف لاستعادة زمام المبادرة من الولايات المتحدة الأمريكية التي زادت إنتاجها من النفط الصخري مؤخرًا مستفيدةً من تقلبات الأسواق العالمية، وبالتالي فإن زيادة الإنتاج من قبل "أوبك+" قد تهدف إلى الضغط على المنتجين الأميركيين من خلال خفض الأسعار، مما يقلل من هامش ربحهم ويحد من نموهم المستقبلي.
الدول الأكثر استفادة والأكثر خسارة من القرار
وأضاف أن السعودية من بين الدول التي قد تستفيد من هذا القرار، والتي تملك قدرة إنتاجية كبيرة وتكلفة إنتاج منخفضة، مما يتيح لها الاستفادة من أي زيادة في حصتها السوقية على حساب دول أخرى ذات تكلفة مرتفعة، كما أن روسيا تحاول توسيع منافذ تصديرها إلى آسيا رغم العقوبات المفروضة عليها، وتستخدم زيادة الإنتاج كأداة ضغط اقتصادي وسياسي.
أما أبرز الخاسرين من هذا القرار أوضح الخبير الاقتصادي، هي الدول التي تعتمد بشكل كبير على أسعار النفط المرتفعة لتغطية ميزانياتها مثل فنزويلا ونيجيريا، وذلك نظرًا لأن الانخفاض في الأسعار حتى مع زيادة الكميات لن يغطي تكاليف الإنتاج مما يعمق من زيادة المصروفات في مقابل الإيرادات، وبالتالي يعمق من أزماتها المالية، كذلك فإن بعض الدول الصغيرة في "أوبك" التي لا تملك مرونة كبيرة في تعديل مستويات إنتاجها ستجد نفسها في موقف ضعيف أمام التكتلات الكبرى داخل المنظمة وبالتالي ستكون من أبرز الخاسرين.
تأثير القرار على مصر
وأشار جمال الدين إلى أن القرار يحمل في طياته تأثيرات مزدوجة على مصر فمن ناحية نجد أن انخفاض أسعار النفط يصب في مصلحة الموازنة العامة للدولة، خاصةً أن مصر ما زالت تعتمد على استيراد جزء كبير من احتياجاتها من الوقود، وبالتالي فإن تراجع أسعار النفط يخفف من الضغط على فاتورة الدعم ويمنح الحكومة هامشًا أكبر في إدارة الإنفاق العام.
ومن ناحية أخرى فإن مصر تطمح لأن تصبح مركزًا إقليميًا لتجارة وتسييل الغاز والنفط، وزيادة الإنتاج من جانب "أوبك+" قد تعني منافسة أشد في الأسواق الإقليمية، خاصةً في ظل تراجع الأسعار، كما أن شركات النفط العالمية قد تعيد تقييم استثماراتها في مصر في ظل بيئة أسعار منخفضة، مما يبطئ من وتيرة الاستكشافات الجديدة، وكذلك الإنتاج.
تابع انه في ظل التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في منطقتي البحر الأحمر وخليج عدن تزداد تعقيدات تأثير قرار زيادة إنتاج النفط على مصر، إذ إن أي اضطراب في الإمدادات أو تهديد يطال الممرات البحرية الحيوية قد ينعكس سلبًا على إيرادات قناة السويس، والتي تُعدُ المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية في مصر، وعلى الرغم من أن زيادة حركة النقل البحري الناتجة عن ارتفاع الإنتاج قد تعود بفائدة اقتصادية على القناة، فإن المخاطر الأمنية تظل حاضرة، مما يضع مصر أمام تحديات تتطلب استعدادًا دقيقًا وتخطيطًا استراتيجيًا.
وأكد أن قرار "أوبك+" بزيادة إنتاج النفط رغم تراجع الأسعار هو خطوة جريئة تعكس تعقيدات المشهد النفطي العالمي، حيث تتداخل العوامل الاقتصادية مع الاعتبارات السياسية والجيوستراتيجية، وبينما يحاول التحالف السيطرة على ديناميكيات السوق، تظل ردود الفعل غير مؤكدة، والأسواق متقلبة.
وأشار إلى أنه فيما يخص الدول المستهلكة مثل مصر، فإن انخفاض الأسعار قد يكون مكسبًا مرحليًا، لكن استمرار تقلبات السوق يتطلب استراتيجية طويلة الأجل تراعي التغيرات المحتملة في البيئة الاقتصادية العالمية، وفي كل الأحوال فإن مستقبل النفط لم يعد مرهونًا فقط بجانبي العرض والطلب، بل أيضًا بالتغيرات السياسية، والتقنيات الجديدة المستخدمة في الإنتاج، واتجاهات الطاقة البديلة خاصةً الطاقة النظيفة.