00 أيام
00 ساعات
00 دقائق
00 ثواني

🎉 افتتاح المتحف الكبير ! 🎉

عاجل

كن جميلا تر الوجود جميلا.. ننشر نص خطبة الأوقاف القادمة

وزارة الأوقاف
وزارة الأوقاف

أعلنت وزارة الأوقاف موضوع خطبتي الجمعة القادمة، حيث تأتي الخطبة الأولى بعنوان «كُن جميلاً تَرَ الوجودَ جميلا»، فيما تتناول الخطبة الثانية موضوع «التعدي على الجار». ويأتي اختيار هذين المحورين في إطار حرص الوزارة على ترسيخ القيم الأخلاقية، وتوعية المواطنين بآداب الاختلاف، وأهمية احترام الآخر وبناء علاقات مجتمعية قائمة على الرحمة والإنصاف.

الخطبة الأولى: «كن جميلا تر الوجود جميلا»

تسلّط الخطبة الضوء على قيمة الجمال في المنظور الإسلامي، بوصفها قيمة جامعة ترتقي بالإنسان قولًا وسلوكًا، وتنعكس على نظرته للحياة وللناس. وتشير إلى أن الإيمان الحق يصوغ نفوس أصحابه على معاني السكينة والرحمة، فيكون المؤمن متجملًا في كلامه، متزنًا في ردوده، رفيقًا في تعامله.

وتستشهد الخطبة بالحديث النبوي الشريف: «إن الله جميل يحب الجمال» لتؤكد أن الجمال لا يقتصر على المظهر، بل يشمل جمال الطباع، وجمال المعاملة، وجمال القلب الذي يعفو ويحلم ويصفح. كما تستعرض شروح العلماء لهذا الحديث، والتي تبين أن من جمال الله سبحانه وتعالى إحسانه لعباده، ورحمته بهم، ورضاه بالقليل من أعمالهم، واستحسانه للتجمل في الأقوال والأخلاق.

كما تتوقف الخطبة عند لفتات قرآنية تصف مواقف التوتر والامتحان بوصف الجمال، مثل قوله تعالى: {فاصبر صبرًا جميلًا} و {واهجرهم هجرًا جميلًا} و {فاصفح الصفح الجميل}، لتبين أن الجمال في المواقف الصعبة هو معيار السمو الأخلاقي.

وتتناول الخطبة كذلك سنة الله في اختلاف البشر: اختلاف طبائعهم وألسنتهم وأفكارهم، مستشهدة بقوله تعالى:
{وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا} ,وبقوله سبحانه:{ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك}.

وتفرد الخطبة مساحة واسعة لبيان أخلاقيات وآداب الاختلاف المستنبطة من القرآن والسنة، ومن أقوال السلف والعلماء، ومن ذلك:

الإنصاف من النفس والعدل مع المخالف، كما في قوله تعالى: {اعدلوا هو أقرب للتقوى}.

التماس الأعذار، وستر الزلات، وحسن الظن بالناس.

كظم الغيظ وضبط النفس، استنادًا لقوله تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس}.

خفض الصوت وضبط الانفعال أثناء النقاش، اقتداءً بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.

تجنب التسرع وترك العجلة التي هي من الشيطان.

احترام الآراء، وعدم الاستعلاء بالحق أو التعالي بالإيمان.

نص الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، له الملك والحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على سيدناا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: فمما يُفيضه الإيمان على أهله، الارتقاء بمعاني الأخلاق، وإكمال دائرة القيم، حتى يكونوا أنموذجًا لِتَجَسُّد المعاني الإيمانية في النفس البشرية، تلك النفوس التي طهَّرها اليقينُ من كدَر الهوى، وزكَّاها الصدق في مراقبة الله تعالى عن الرَّدى، حتى سمت أفعالها، ورقَّت كلماتُها، وشفَّت طباعُها، فصارت وكأنَّها مَرايا تعكس ما استقرَّ في أعماقهم من نور الهداية، فإذا مشَوا في الناس، مشَوا بالطمأنينة والسكينة، وإذا تعاملوا، تعاملوا بالرأفة والرحمة، حتى يخيَّل للرائي أنَّه يشهد كيف يتحوَّل الإيمان إذا استقرَّ في القلب، إلى خُلُقٍ يمشي على الأرض، ونورٍ يتشكَّل في الأفعال.

ومن جملة المعاني الإيمانية التي حرص الإيمان على إكمالها وإتمامها في أهله وذويه؛ قيمة الجمال والأدب والذوق والرقي في التعامل مع الغير، سواء حال الوفاق أو الاختلاف، فأهل الإيمان لا يصدر عنهم إلا كلُّ جميل قولًا وفعلًا وحالًا، وكي يقيمَنا الشرع الحنيف على هذه المعاني والقيم أرشدنا إلى عدة أمور، منها:

إن الله جميل يحب الجمال: قاعدة نبوية يلفت فيها أنظارَنا نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى وصف مولانا تبارك وتعالى بالجمال، ومحبته لهذه القيمة، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: «‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌جَمِيلٌ ‌يُحِبُّ ‌الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بطر الحق وغمط الناس» [رواه مسلم]

وما لفت النبي صلى الله عليه وسلم أنظارنا إلا ليسري هذا المعنى فينا، وليحثَّنا على التزامه، حتى تحصل لنا المحبة الربانية والمعيَّة الإلهيَّة في جميع أحوالنا. ومن أسف أننا نقصر معنى الحديث النبوي على خصوص السبب الذي ورد فيه، فنحمله على جمال الملبس والمظهر فحسب، وما هكذا ذكر العلماء، بل توسعوا في بيان مفهوم وصف الله تعالى بالجمال، ومحبته سبحانه منا هذا الوصف، يقول أبوبكر الكلاباذي الحنفي في شرح هذا الحديث:

“وَقَولُهُ صلى الله عليه وسلم: «‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌جَمِيلٌ ‌يُحِبُّ ‌الْجَمَالَ» أَي: جَمِيلُ الأَفضَالِ بِكُم، حَسَنُ النَّظَرِ لَكُم، مُرِيدٌ لِصَلَاحِكُم، جَمِيلُ المُعَامَلَةِ مَعَكُم، يَرضَى بِالقَلِيلِ، وَيُثِيبُ عَلَيهِ الجَزِيلَ، وَيَقبَلُ الحَسَنَاتِ المَدخُولَ عَلَيهَا، وَيَعفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ المَسكُونِ إِلَيهَا، يُكَلِّفُكُمُ اليَسِيرَ وَيُعِينُكُم عَلَيهِ، وَيُعطِيكُمُ الجَزِيلَ وَيَشكُرُكُم عَلَيهِ وَلَا يَمُنُّ عَلَيكُم، وَتَعطُونَ القَلِيلَ وَيَشكُرُكُم، فَهُوَ يُحِبُّ الجَمَالَ مِنكُم أَيِ: التَّجَمُّلَ مِنكُم فِي قِلَّةِ إِظهَارِ الحَاجَةِ إِلَى غَيرِهِ، فَإِنَّهُ قَامَ لَكُم بِهَا، وَمَا زَوَى عَنكُم، زَوَاهَا نَظَرًا لَكُم، وَإِرَادَةَ الخَيرِ بِكُم، فَتَجَمَّلُوا فِيمَا بَينَكُم، وَلَا تَشكُوهُ إِلَى غَيرِهِ بِإِظهَارِ حَوَائِجِكُم، فَهُوَ جَمِيلُ الفِعلِ بَينَكُم، يُحِبُّ التَّجَمُّلَ مِنكُم“ [بحر الفوائد]

ويقول المناوي: “«إن الله تعالى جميل» له الجمال المطلق، ومن أحق بالجمال منه، كل جمال في الوجود من آثار صنعته، فله جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال، ولولا حجاب النور على وجهه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه من خلقه «يحب الجمال» أي: التجمل منكم في الهيئة، أو في قلة إظهار الحاجة لغيره، وسر ذلك أنه كامل في أسمائه وصفاته، فله الكمال المطلق من كل وجه، ويحب أسماءه وصفاته، ويحب ظهور آثارها في خلقه، فإنه من لوازم كماله“. [فيض القدير]

الجمال في البيان القرآني: إنَّ المتتبِّع لآياتِ القرآن التي نطقت بوصفِ الجَمال ليَجِد مشهدًا يثير الدهشة ويستوقف البصيرة؛ إذ يربط اللهُ تعالى هذا الوصفَ الرفيع بأحوالٍ يغلِبُ فيها الاضطرابُ على النفوس، كالصبر والهجر والصفح، وهي مواطنُ تنساق فيها الطباعُ وراء حدَّة الانفعال وثورة المشاعر، فإذا بالوحي يخصّها بصفة الجمال، ليُعلِّم القلبَ أن السموَّ الأخلاقي لا يُختبر في لحظاتِ الرخاء، بل في مواضِع الضِّيق، وأنَّ الجمال ليس حليةً فحسب، بل هو مقامٌ روحيٌّ يضبط الانفعال، ويهذِّب الردَّ، ويرفعُ الإنسانَ فوقَ غوائلِ النَّفس ودسائسها.

ويقول المجد الفيروزآبادي: “وقد ورد في القرآن هذه المادّة -مادة الجمال- على وجوه:… بمعنى المحاسنة والمجاملة {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: ٨٥]، وبمعنى الصَّبر بلا جزاء {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا} [المعارج: ٥]، وقال يعقوب عليه السلام {فَصَبْرٌ جَمِيل} [يوسف: ١٨]، وبمعنى مقاطعة الكفَّار على الوجه الحسن {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: ١٠]، وبمعنى إِطلاق النِّساءِ على الوجه الجميل {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}.

تم نسخ الرابط