من يتأمل مسار حزب النور منذ 30 يونيو يدرك أننا أمام كيان سياسي يساكن الدولة لا يؤمن بها، ويتعامل مع أدواتها اضطرارًا لا اقتناعًا. فالحزب الذي نشأ على أيدي دعاة يرون السياسة بدعة والدولة المدنية جاهلية، وجد نفسه بعد سقوط مشروع «الحكم باسم الدين» مضطراً إلى التكيف مع واقع لم يعد يحتمل ازدواجية الخطاب أو استغلال المشاعر الدينية لبلوغ الغايات السياسية.
لقد أثبتت الدولة المصرية قوتها، فغير الحزب لهجته دون أن يغير عقيدته. انحنى للعاصفة لا لأن قناعاته تبدلت ، بل لأن وعي المجتمع ارتفع وسقف الدولة اشتد، فلم يعد الهتاف باسم الدين جواز مرور إلى البرلمان أو منصة الحكم. هكذا تحول حزب النور إلى كيان يمارس «التقية السياسية» بأدوات مدنية، متوهما أنه يستطيع إعادة إنتاج نفسه في ظل دولة لفظت الحكم الديني ورفضت وصايته.
فأي حزب هذا الذي يستمد مرجعيته من نصوص تسبق الدساتير، ويضع معتقده فوق قوانين بلاده؟ وأي مشروع وطني يمكن أن يقوم على فكرة «التمكين» لا «المواطنة»؟ إن مرشح حزب النور يدرك أن صوته لا يأتي إلا من داخل الأسوار الفكرية للتيار السلفي، وأنه لا يخاطب المواطن المصري العادي، بل ينتمي إلى جماعة مغلقة تعيش خارج روح العصر وحدود الدولة الحديثة.
وحين يتحدث قادته عن احترام القانون أو المشاركة في الانتخابات، فإنهم يفعلون ذلك بمنطق الاستخدام لا الإيمان، فيمارسون السياسة كضرورة مؤقتة، لا كقناعة وطنية. إنهم يستخدمون أدوات الدولة المدنية من باب "الحيلة الشرعية" ،لا من باب "القيمة الوطنية"، وكأنهم ينتظرون لحظة ضعف يعيدون فيها إنتاج خطابهم القديم.
لكن مصر اليوم غير مصر الأمس؛ فالدولة التي واجهت الإرهاب، واستعادت هيبتها، لم تعد تسمح لخطاب ظلامي أن يندس بين مؤسساتها، ولا لحزب بملامح دينية أن يتسلل من شقوق القانون ليعبث بالهوية الوطنية. لقد جرب المصريون عامًا من حكم اللحية والعمامة، فرفضوه بكل جوارحهم، لأنهم أدركوا أن الدين لا يُختزل في جماعة، وأن الوطنية لا تُقاس بمدى التشدد في الخطاب، بل بعمق الانتماء للأرض والناس.