ما حكم تكرار صلاة الجنازة على الميت؟.. الإفتاء توضح
أكدت دار الإفتاء على جواز تكرار صلاة الجنازة شرعا على الميت؛ سواء ممن صلَّى عليه أو من لم يصل عليه؛ عملًا بمذهب من أجاز؛ رغبة في الفوز بصلاة أهل الصلاح والفضل على الميت، وكثرة عدد المصلين عليه، وكثرة الدعاء والشفاعة له، ما لم تقتض المصلحة تعجيل الدفن؛ كحال انتشار الأوبئة والأمراض المعدية أو غيرها من الظروف التي يُطلب فيها تعجيل الدفن
ترغيب الشرع في صلاة الجنازة وثواب ذلك
رغَّب الشرع الشريف في شهود الجنازة وحضور الصلاة على الميت، ورتَّب على ذلك جزيل الأجر والإثابة، بل وجعله حقًّا للمسلم على أخيه المسلم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ»، قيل: وما القيراطان؟ قال: «مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» متفقٌ عليه.
وعنه أيضًا أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خَمْسٌ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ: رَدُّ التَّحِيَّةِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَشُهُودُ الْجِنَازَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللهَ» أخرجه الإمام أحمد في “مسنده”، وابن ماجه في “سننه”.
حكم صلاة الجنازة وبيان فضلها
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية في المشهور والشافعية والحنابلة إلى أن صلاة الجنازة فرض كفاية إذا قام بها البعض سقط الطلب والإثم عن الباقين، وحكى بعضهم الإجماع على ذلك:
قال الإمام الكاساني الحنفي في “بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع”: الإجماع منعقد على فرضيتها.. إلا أنها فرض كفاية.
وقال العلامة العدوي المالكي في “حاشيته على شرح مختصر خليل”: صلاة الجنازة فرض كفاية.
وقال الإمام النووي الشافعي في “المجموع شرح المهذب”: الصلاة على الميت فرض كفاية بلا خلاف عندنا وهو إجماع.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في “الشرح الكبير على متن المقنع”: والصلاة على الميت فرض كفاية.
وقد جاء في فضلها ما يحمل المسلم على أن يكون حريصًا على فعلها؛ فقد بوَّب الإمام البخاري في “صحيحه” بابًا أسماه: “اتباع الجنائز من الإيمان”، وروى فيه: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ».
ما ورد في السنة المطهرة في تكرار الصلاة على الميت
قد تتكرر الصلاة على الميت، كما لو صُلي عليه في مكان غسله أولًا، ثم بعد أن نُقل إلى مكان دفنه وكان في استقباله بعض المشيعين؛ أراد ذَوُوه الصلاة عليه مرة أخرى؛ ليتمكن من لم يصل عليه في المرة الأولى من الصلاة عليه في المرة الثانية، أو لكثرة المصلين رجاء انتفاع الميت بذلك؛ أو لعدم تمكن ذويه من الصلاة عليه في المرة الأولى.
وقد ورد في تكرار الصلاة على الميت بعد دفنه والصلاة عليه أحاديث وآثار كثيرة؛ منها: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: أن امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد، أو شابًّا، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأل عنها، أو عنه، فقالوا: مات. قال: «أفلا كنتم آذنتموني». فكأنهم صغروا أمرها، أو أمره، فقال: «دلّوني على قبره» فدلّوه، فصلى عليها ثم قال: «إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم» أخرجه الشيخان.
قال ابن حبان في “صحيحه”: في ترك إنكاره صلى الله عليه وآله وسلم على من صلى معه على القبر أبين البيان لمن وفقه الله للرشاد والسداد أنه فعل مباح له ولأمته معًا دون أن يكون ذلك الفعل له دون أمته.
وقال الإمام الخطابي في “معالم السنن”: وفيه بيان جواز الصلاة على القبر لمن لم يلحق الصلاة على الميت قبل الدفن.
بيان فضل كثرة عدد المصلين على الجنازة
ورد في أفضلية تكثير أعداد المصلين على الجنازة عدة أخبار، منها: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ» أخرجه مسلم في “صحيحه”.