حديث "لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ».. صحته ومعناه
أوضحت دار الإفتاء أن حديث: «لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ» يفهم منه أنَّ اشتراط استئذان المرأة لزوجها في الصيام مختصٌّ بصيام التطوع أو قضاء ما فاتها من صيام رمضان، فإن كان الزوج مسافرًا أو مريضًا أو صائمًا مثلها، أو أنها إذا استأذنته أذن لها -بما سبق إليه علمها من طباع زوجها وأحواله- لم يتعين عليها الاستئذان، أما إذا كان الصيام للواجب الذي تعيَّن وقته، لم يلزمها الاستئذان منه لصومه أيضًا.
كما أنه ليس في الحديث تغليب لطاعة الزوج على طاعة الله تعالى؛ إذ إن طاعة الزوج هي امتثالٌ لأمر الله تعالى: فهي طاعة لله في المقام الأول، ثم المشاركة في تنظيم الحقوق والواجبات بحسب وقت وجوبها واستحقاقها؛ حتى تنال المرأة أجر ذلك كله.
الترجيح بين الطاعات إذا تزاحمتْ على المكلف ومبدأ فقه الأولويات
التكثير من العبادات والقيام بالواجبات من المصالح الشرعية، والأصل في المصالح تحصيلها والحرص على تحقيقها، إلا أنه قد يطرأ على المكلف ما يحول دون الجمع بين طاعتين ترغب فيهما نفسه، فلا يمكنه الإتيان بهما معًا، فيلزم حينها الترجيح بين ما يتسع وقته وبين ما يضيق وقته، فيُقدَّم المضيق وقته مطلقًا ويؤخر عنه ما يتسع وقته؛ لأنه يمكن القيام به في وقتٍ آخر، وهذا من الأصول العامة التي يتفق عليها كل ذي عقل سليم من البدء بالقيام بواجب الوقت، وهو ما يُعلَم أيضًا بفقه الأولويات.
ومما يستدل به على هذا الجانب الفقهي من الترجيح بين الطاعات إذا تزاحمتْ على المكلف: ما أخرجه الشيخان في “صحيحيهما” من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ».
بيان المعنى المراد من الحديث الشريف
المراد بالحديث النبوي الشريف: نهي المرأة في حال حضور زوجها عن صيام النافلة، وهو من الطاعات التي لا تتقيد بوقت، وكذا صيام الواجب الذي يتسع وقته كقضاء رمضان إلا بإذن منه؛ لوجوب طاعته شرعًا في غير معصية؛ وذلك حتى لا يتزاحم عليها عدد من الحقوق في وقت واحد: حق زوجها منها، وحق ما شرعت فيه من الصيام، فيشق ذلك عليها، فيكون إذن زوجها لها بالصيام معطِّلًا لحقه منها في وقت صيامها، حتى لا تتزاحم عليها الحقوق.
قال الإمام الخطابي في “أعلام الحديث”: أن نهي المرأة عن الصيام وزوجها شاهد إنما هو في التطوع، أما صيام الفرض في شهر رمضان فلا يدخل فيه، وإن كان قضاء الفائت من رمضان، فإنها تستأذنه ما بين شوال إلى شعبان، وهذا يدل على أن حق الزوج محصور الوقت، فإذا اجتمع مع سائر الحقوق التي يدخلها التراخي؛ كالحج ونحوه: قُدِّم عليها.
وقال الإمام النووي في شرحه على مسلم: هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين.
الرد على من فهم من الحديث أن طاعة الزوج مقدمة على طاعة الله سبحانه
ولا يعترض بأنه قد يُفهم من الحديث أن طاعة الزوج مقدمة على طاعة الله تعالى، حتى يتحتم استئذانه بالصيام، وهو من الطاعات المطلوبة شرعًا، ويجاب على ذلك بالآتي:
أولًا: أن الأمر بالاستئذان في الحديث ليس المقصود به المفاضلة بين حق الله تعالى وحق الزوج؛ إذ لا محلَّ للتفاضل بينهما فيما أوجبه الله تعالى في وقت وجوبه، فإنه يقدم على كل ما عداه؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».
وحق الطاعة هذا مقيد بالمعروف؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومن طاعتها لزوجها ألّا تصوم نافلة إلا بإذنه، وألّا تحج تطوعًا إلا بإذنه، وألّا تخرج من بيتها إلا بإذنه.
وأما المراد من حديث استئذان المرأة لزوجها فهو تعليمها كيف تُحصِّل الخير بحسب وقته، فتبادر إلى أداء ما ضاق وقته، وتؤخر ما اتسع وقته، فالحديث في خصوص صيام التطوع أو الواجب الذي يتسع وقته؛ كقضاء رمضان، بحيث يمكنها الجمع بين الحقوق في وقت لاحق. أما إذا ضاق عليها وقت صيام الواجب، فلا يشترط استئذانه؛ لأن حق الله تعالى هنا واجب متعين وقته، فيقدم القيام به على غيره.
قال العلامة أبو العباس القرطبي في “المفهم”: ويستفاد من هذا أن المرأة لا تصوم القضاء وزوجها شاهد إلا بإذنه، إلا أن تخاف الفوات فيتعين وترتفع التوسعة.
وفي بيان سبب تقديم طاعة الزوج في ترك صيام النافلة، وكيفية ترتيب الأولويات داخل الأسرة، قال الإمام النووي في شرحه على مسلم: سبب ذلك أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام، وحقه فيه واجب على الفور، فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي، ولأن صومها يمنعه من الاستمتاع عادة؛ لأنه يهاب إفساد الصوم.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في “فتح الباري”: أن المراد بالإذن في الحديث ما كان في غير صيام رمضان، وكذلك غيره من الواجب إذا ضاق الوقت. وفي الحديث: أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع؛ لأن حقه واجب، والقيام بالواجب مقدم على التطوع.