00 أيام
00 ساعات
00 دقائق
00 ثواني

🎉 افتتاح المتحف الكبير ! 🎉

عاجل

لكل مقام مقال، ولكل فعل مكانه. ليست كل مظاهر الدعوة إلى الدين دليلًا على الحكمة، ولا كل صوت مرتفع بالقرآن دليلًا على تعظيمه. الأدب مع كلام الله أن نعرف أين نقرأ، ومتى نقرأ، وكيف نقرأ، حتى يظل الفعل متوافقًا مع روح القرآن والسنة.
انتشر في الأيام الماضية مقطع مصور لأحد الشباب وهو يتجول في المتحف المصري الكبير، يرفع صوته بتلاوة القرآن الكريم في قاعاته الواسعة بصوت جهوري، وكأنه في مقام تلاوة عامة أو موعظة دينية. ولئن كان القصد حسنًا عند صاحبه، فإن حسن النية لا يغني عن سوء الفعل؛ فالأدب مع القرآن، ومراعاة المقام، شرط في الإحسان إلى كلام الله عز وجل، لا مجرد التلفظ به.
إن القرآن الكريم أجل من أن يتخذ وسيلة للاستعراض أو المجاهرة في غير موضعها. وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه مسلم: «اقرؤوا القرآن، وابتغوا به وجه الله قبل أن يأتي قومٌ يقيمونه إقامة القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه». أي يقرؤونه طلبًا للسمعة أو الشهرة، لا ابتغاء مرضاة الله.
والمتحف، هو صرح حضاري شامخ يعبر عن تاريخ مصر وهويتها، وليس مكانًا للعبادة أو الجهر بالقرآن على هذا النحو. فالمقامات لها أحكامها، ولكل موضع ما يليق به من القول والفعل. وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذه القاعدة الجامعة حين قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
فالكلمة أو الفعل الصالح إذا وضع في غير موضعه قد ينقلب إلى إساءة من حيث لا يقصد.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الجهر الذي يخرج عن موضعه، حتى في مواطن العبادة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيح: «لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن».
فإذا كان هذا في المسجد وبين المصلين، فكيف بمن يرفع صوته بالقراءة في مكان عام لا صلة له بالعبادة، وبين زوار أغلبهم من الأجانب الذين لا يفهمون العربية أصلًا؟
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شبه المجاهر بالقراءة أمام الناس بالمجاهر بالصدقة، فقال في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسرّ بالقرآن كالمسرّ بالصدقة».
والمعنى أن الإخلاص في القراءة – كما في الصدقة – أبلغ ما يكون حين تكون في خفاء وسكينة، لا أمام العيون وعدسات الهواتف. فالعبادة كلها مبناها على الإخلاص، لا على الظهور أو التجمل والاستعراض أمام الناس.
إن المتحف المصري الكبير مقصد ثقافي وسياحي عالمي، يرتاده الزوار من شتى بقاع الأرض ليشاهدوا آثار حضارة ضاربة في عمق التاريخ. وليس من الحكمة أن يتحول هذا الفضاء الحضاري إلى ساحة للاستعراض الصوتي بالقرآن. بل إن ذلك قد يسيء إلى صورة الإسلام في نظر من لا يعرفونه، لأنهم قد يرونه سلوكًا غير منضبط لا يعرف حد الزمان والمكان.
وليس في الإسلام ما يفرض الجهر بالقرآن في الأماكن العامة على أنه دعوة؛ فالدعوة فن وحكمة، لا مجاهرة عشوائية. قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: 125].
فالحكمة تقتضي أن تقدم الموعظة في وقتها ومكانها المناسبين، وبالأسلوب الذي يفتح القلوب، لا الذي يثير الاستغراب أو الانزعاج لدى البعض.
إن القرآن الكريم رسالة هداية، وتلاوته عبادة جليلة لها آدابها وشروطها، وليست مادة عرضية لافتتاح المناسبات أو لتسجيل المقاطع على منصات التواصل الاجتماعي. ومن صور الانحراف عن الأدب أن يتحول كتاب الله إلى وسيلة لجذب الانتباه أو نيل الإعجاب.
وخلاصة القول: من أحب القرآن فليقرأه كما أمر الله، في مواضع الخشوع والذكر، لا من أجل التباهي والاستعراض. وليتذكر قول السلف: «من تعبد لله بغير علمٍ أفسد أكثر مما أصلح».
فالنية الصادقة لا تكفي ما لم تهذب بالحكمة، والتعريف بالدين لا يقبل إن فسدت صورته.

تم نسخ الرابط