ما حكم الزكاة في المال إذا هلك بعد وجوب الزكاة فيه؟
أكدت دار الإفتاء أن تجب الزكاة إذا بلغ المال نصابًا مقداره خمسةٌ وثمانون جرامًا من الذهب عيار واحدٍ وعشرين، ومضى عليه حولٌ قمريٌّ كامل، فإن هلك المال قبل تمام الحول فلا زكاة فيه.
ما حكم الزكاة في المال إذا هلك بعد وجوب الزكاة فيه؟
أمَّا إذا هلك بعد تمام الحول، فإن كان بفعل المكلَّف نفسه بتعمُّد الإتلاف مثلًا، وجب عليه ضمان الزكاة، وإن كان بغير فعله -كجائحةٍ سماويةٍ أو آفةٍ عامّةٍ- وكان ذلك قبل أن يتمكن من الإخراج ولم يُفرّط، كأن تعذر وجود المستحقين، أو لم يستطع المزكي الوصول إليهم لمرض ونحوه ولم يكن مَن يُوكّله لإخراجها وإيصالها إليهم، أو لغيبة ماله -سقطت الزكاة لتعذر الأداء، وإن تمكن من الإخراج لكنه أخَّره مع قدرته عليه بأن حال الحول ووجد المستحقين وتمكن من الوصول إليهم وتوفر المال ولم يخرج؛ فإنَّه يضمنها ويطالب بها حينئذ.
شروط وجوب زكاة المال
الزكاة ركنٌ من أركان الإسلام، وفريضةٌ على كلِّ مسلمٍ تحقَّقت فيه شروطُ وجوبها، وأهمُّها في الأموال النقديَّة: أن يكون المالُ خاليًا من الدَّين، فاضلًا عن حاجة صاحبه وحاجة مَن يعول، وأن يبلغ النصابَ الشرعيَّ، وهو ما يعادل قيمتَه بالنقود الحالية خمسةً وثمانين جرامًا من الذهب عيار واحدٍ وعشرين، وأن يحولَ عليه حولٌ قمريٌّ كامل؛ فإذا بلغ المالُ هذا القدرَ أو تجاوزه، ومضى عليه الحول، وجبت فيه الزكاة بنسبة ربع العشر (2.5%)؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم للإمام عليٍّ رضي الله عنه: «لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَتْ لَكَ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ» أخرجه أبو داود.
قال العلامة ابن عبد البر في “الاستذكار”: وأجمع العلماء على أنَّ الذهب إذا بلغ أربعين مثقالًا فالزكاة فيه واجبة بمرور الحول ربع عُشْرِه وذلك دينارٌ واحد، وأجمعوا أنَّه ليس فِـيما دون عشرين دينارًا زكاة.
وحولان الحَوْل شرطٌ لوجوبِ الزكاةِ في الأموال النامية، كالنقود، وعروض التجارة، والماشية؛ لما روي عن سيدنا عليٍّ رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» أخرجه أبو داود، أمَّا الزروعُ والثمارُ والمعادنُ فزكاتُها تجبُ بالإدراك والحصاد، لا باشتراط حولان الحول؛ لقوله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾، فدلَّت الآية على أنَّ وقت الوجوب متعلِّقٌ بحصول النماء وظهور الثمرة أو إدراك الخارج من الأرض.
قال العلامة أبو سليمان الخطَّابي في “معالم السنن”: وقوله: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» إنَّما أراد به المالَ الناميَ؛ كالمواشي والنقود؛ لأنَّ نماءها لا يظهَرُ إلَّا بمضيِّ مدة الحَوْل عليها، فأمَّا الزروعُ والثمار فإنَّها لا يُراعى فيها الحوْلُ، وإنَّما يُنظر إلى وقتِ إدْراكِها واستِحْصادها فيُخرج الحقُّ منها.
حكم الزكاة إذا هلك المال قبل تمام الحول
اتَّفق الفقهاء على أنَّ الزكاة تتكرَّر في المال النامي إذا بلغ النصابَ الشرعيَّ، وذلك بمرور كلِّ حولٍ قمريٍّ عليه؛ لتجدُّد النماء فيه عامًا بعد عام، بخلاف الزروع والثمار، فإنَّها لا تجب فيها إلَّا مرة واحدة عند الحصاد؛ إذ سبب وجوبها الخارج نفسه لا الحول، فكان الوجوب فيه غير متكرر. ينظر: “مراتب الإجماع” للإمام ابن حزم الأندلسي.
وإذا بلغ المالُ النِّصابَ فقد يعرِض له الهلاكُ، إمَّا قبل تمام الحول، أو بعد تمامه، فإن هلك قبل تمام الحول عُدَّ كالمعدوم؛ فلا زكاة فيه إن هلك كلّه، وإن هلك بعضه نُظِرَ إلى الباقي: فإن استكمل النصاب عند الحول وجبت فيه الزكاة، وإلَّا فلا، وهذا مما لا خلاف فيه.
قال أبو الطَّاهر ابنُ بشير التنوخي في “التنبيه على مبادئ التوجيه”: لا خلاف أنَّ الزكاة لا تجِبُ قبل حلولِ الحَوْل، فمن ضاع ماله أو بعضُه حتى قصر عن النّصاب قبل حلُول الحول لم يتعلَّق بذمتِهِ شيء.
وقال الإمام ابنُ بزيزة التونسي في “روضة المستبين”: إذا ضاع قبْل زمانِ الوجُوب، فلا خلافَ في سقوطِ الزكاة فيه، إلَّا أن يبقى ما تجِبُ الزكاة فيه فتُعتبر بنفسه.
حكم الزكاة إذا هلك المال بعد تمام الحول وقبل إخراج الزكاة
أمَّا إذا هلك بعد تمام الحول وقبل إخراج الزكاة، فإن كان ذلك بفعل المكلَّف نفسه؛ فلا خلاف بين الفقهاء في لزوم ضمانه لمقدار الزكاة إذا تعمَّد إتلاف المال.
قال علاء الدين السَّمرقندي في “تحفة الفقهاء”: وأجمعوا أنَّه إذا أتْلَفَ مال الزكاة فإنَّه يضمن قدْر الزكاة.
وأمَّا إذا وقع الهلاك بغير تسبّبٍ من المكلَّف، كجائحةٍ سماويةٍ أو آفةٍ عامّةٍ أتلفت المال، فإنَّ المزكّي غيرُ مسؤولٍ عنه؛ إذ لا يدَ له فيه، وحينئذٍ جرى الخلاف بين الفقهاء، وهو مبنيٌّ على اختلافهم في كون الزكاة واجبةً في العين أم في الذمَّة، أم في الذمَّة والعينُ مرتهنةٌ بها. ينظر: “البحر الرائق -مع منحة الخالق وتكملة الطوري-” لزين الدين ابن نجيم.



