ما حكم اقتداء المصلي فرضًا بالإمام الذي يصلي نافلة؟
أكدت دار الإفتاء أن صلاة المأموم للفريضة جماعة خلف الإمام الذي يصلي نافلة صحيحة؛ فيجوز اقتداء المأموم المصلي فرضًا بالإمام المتنفل، وكذا من يصلي نافلة بمن يصلي فرضًا؛ إذ لا يشترط موافقة نية المأموم لنية الإمام.
فضل صلاة الجماعة
حث الشرع الشريف على أداء الصلوات المكتوبة في جماعة ورتب عليها الفضل العظيم، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة؛ منها: ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة».
اتباع المأموم للإمام في الصلاة
أوجب الشرع الشريف على المأموم اتباع إمامه فيها، فأخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه».
قال الإمام ابن بطال في شرح صحيح البخاري: فجعل فعلهم عقيب فعله، فالفاء للتعقيب، وإذا لم يتقدمه الإمام بالتكبير، والسلام، فلا يصح الائتمام به؛ لأن محال أن يدخل المأموم في صلاة لم يدخل فيها إمامه، ولا يدخل فيها الإمام إلا بالتكبير، والإمام اشتق من التقدم، والمأموم من الاتباع، فوجب أن يتبع فعل المأموم بعد إمامه.
أقوال الفقهاء في حكم اقتداء المصلي فرضًا بإمام يصلي نافلة
وقد اختلف الفقهاء في اقتداء المصلي فرضًا بإمام يصلي نافلة؛ فذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة في إحدى الروايتين إلى عدم جوازه؛ لعدم اتحاد صلاتي الإمام والمأموم.
وقال العلامة المرغيناني الحنفي في الهداية: ولا يصلي المفترض خلف المتنفل؛ لأن الاقتداء بناء، ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام، فلا يتحقق البناء على المعدوم.
وقال البدر العيني في البناية شرح الهداية: أي بناء أمر وجودي؛ لأنه عبارة عن متابعة الشخص لآخر في أفعاله بصفاتها، وهو مفهوم وجودي لا سلب فيه، وبناء الأمر الوجودي على المعدوم بصفاتها غير متحقق.
وقال العلامة الخرشي المالكي في شرحه على مختصر خليل: وشرط الاقتداء نيته ومساواة ومتابعة، أي مساواة في عين الصلاة المقتدى بها فيها إلا ما يستثنيه بعد، فلا يصلى فرض خلف نفل.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في المغني: وفي صلاة المفترض خلف المتنفل روايتان: إحداهما: لا تصح، نص عليه أحمد في رواية أبي الحارث، وحنبل، واختارها أكثر أصحابنا، وهذا قول الزهري ومالك وأصحاب الرأي.
بينما ذهب الشافعية، والحنابلة في رواية -رجحها جماعة منهم، كابن قدامة وابن تيمية- والظاهرية: إلى أن لا يشترط اتحاد الصلاتين؛ فيجوز للمفترض أن يأتم بالمتنفل، وأن يأتم المتنفل بالمفترض، والمفترض بفرض آخر.
قال الإمام النووي الشافعي في المجموع: مذهبنا: جواز صلاة المتنفل والمفترض خلف متنفل ومفترض.
وقال الإمام ابن قدامة في المغني: والثانية: يجوز. نقلها إسماعيل بن سعيد. ونقل أبو داود، قال: سمعت أحمد سئل عن رجل صلى العصر ثم جاء فنسي، فتقدم يصلي بقوم تلك الصلاة، ثم ذكر لما أن صلى ركعة، فمضى في صلاته؟ قال: لا بأس. وهذا قول: عطاء، وطاوس، وأبي رجاء، والأوزاعي، والشافعي، وسليمان بن حرب، وأبي ثور، وابن المنذر، وأبي إسحاق الجوزجاني، وهي أصح.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في الإنصاف: ويصح ائتمام المفترض بالمتنفل في إحدى الروايتين.
وقال الإمام ابن حزم الظاهري في المحلى بالآثار: جائز صلاة الفرض خلف المتنفل، والمتنفل خلف من يصلي الفرض، وصلاة فرض خلف من يصلي صلاة فرض أخرى، كل ذلك حسن وسنة.
المختار للفتوى في حكم اقتداء المصلي فرضًا بإمام يصلي نافلة
المختار للفتوى: ما ذهب إليه الشافعية ومن وافقهم من أن صلاة المفترض خلف المتنفل جائزة؛ لما جاء من حديث معاذ رضي الله عنه: أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يرجع يؤم قومه رواه البخاري.
وفي رواية: كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم العشاء ثم ينطلق إلى قومه فيصليها هي له تطوع وهي لهم مكتوبة العشاء رواه الإمام الشافعي، والبيهقي في معرفة السنن والآثار.
قال الإمام الشوكاني في السيل الجرار: وأما ائتمام المفترض بالمتنفل فحديث صلاة معاذ رضي الله عنه بقومه بعد صلاته مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتصريحه هو وغيره أن التي صلاها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي الفريضة والتي صلاها بقومه نافلة لهو دليل واضح وحجة نيرة، وما أجيب به عن ذلك من أن قول صحابي لا حجة فيه؛ فتعسف شديد.
أما حديث: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه»، فليس فيه دليل على اشتراط موافقة نية المأموم للإمام في تعيين الصلاة؛ إذ المراد الاقتداء في الأفعال الظاهرة، مثل التكبير، والركوع، والسجود، والقيام، والقعود، لا في الأفعال الباطنة مثل النيات.



