صراع الغاز فى المتوسط...غيرات سياسية تهدد الأسواق وتعيد رسم الخريطة الأقليمية
الصراعات الجيوسياسية في المتوسط... كيف تؤثر على مستقبل الغاز وأسعاره؟

تشهد منطقة البحر المتوسط تغيرات جيوسياسية عميقة، تلقي بظلالها على مستقبل حقول الغاز الطبيعي، وترسم خريطة جديدة للمنتجين والمستهلكين، يأتى ذلك بالتزامن مع التغييرات السياسية المحتملة في سوريا ولبنان، ومحاولات تركيا تعزيز نفوذها في سوق الغاز عبر مشاريع كبرى، بينما تواجه مصر تحديات متزايدة تتعلق بتأمين احتياجاتها من الطاقة وسط تراجع الإنتاج المحلي وارتفاع تكاليف الاستيراد.
في هذا السياق، يكشف خبراء البترول عن تداعيات هذه المتغيرات على الأسعار العالمية وأمن الطاقة، ودور مصر في سوق الغاز الإقليمي.
تأثير التطوارات الجيوسياسية على مستقبل الغاز
أكد المهندس أسامة كمال، وزير البترول الأسبق، أن التطورات الجيوسياسية في المنطقة سيكون لها تأثير مباشر على مستقبل غاز المتوسط، مشيرًا إلى أن هناك لاعبين جدد سيدخلون إلى السباق، وعلى رأسهم سوريا ولبنان. وأوضح أن "التغيرات السياسية في البلدين، مثل اختفاء حزب الله في لبنان وتغيير الإدارة في سوريا، قد تخلق بيئة أكثر استقرارًا، مما يتيح بدء عمليات البحث والاستكشاف في حقول الغاز الضخمة بالمتوسط".
أمال تركيا فى سوق الغاز الإقليمى
وأضاف “كمال” فى تصريحات خاصة لـ "نيوز رووم": أن تركيا تحاول أن يكون لها دور رئيسي في سوق الغاز الإقليمي، مستفيدةً من خط "نورد ستريم" القديم الذي لا يعمل حاليًا، وتابع: "إذا تم ربط الحقول الجديدة في سوريا ولبنان بهذا الخط، فقد يؤثر ذلك على أسعار الغاز، خاصة الغاز المسال المتجه إلى أوروبا، نظرًا لوجود بدائل عن الغاز القادم من منطقة الخليج العربي".
تغيير مستقبل شمال إفريقيا
وعلى الجانب الآخر، أشار إلى أن السوق في شمال إفريقيا، وخاصة مصر، سيشهد تطورات مهمة، موضحًا أن الأزمة الاقتصادية التي مرت بها مصر أدت إلى تراكم مستحقات الشركاء الأجانب، مما أثر على عمليات البحث والاستكشاف، وبالتالي انخفاض الإنتاج الحالي. وأضاف: "هذا الانخفاض واضح في الكميات التي يتم التعاقد عليها لتلبية احتياجات الصيف".
خطة الدولة المصرية لمحاولة سد إحتياجات فصل الصيف
وفيما يتعلق بواردات الغاز، كشف "وزير البترول الأسبق" أنه خلال الأسابيع الأخيرة، ظهرت بوادر تخفيف الأحمال في المصانع، حيث تعمل الدولة على زيادة عدد مراكب الغاز المسال من 4 شهريًا إلى 8 خلال الصيف، لكنه أكد أن هذه الجهود لن تسد الفجوة بالكامل، مشيرًا إلى أن "الحل كان يتطلب بدء مشروعات الطاقة المتجددة، مثل الرياح والشمس، قبل عامين أو ثلاثة، لكننا نحاول الآن اللحاق بالركب بإضافة 5 جيجاوات قبل يونيه، وهو أمر صعب، وربما يتحقق بحلول سبتمبر".
أزمة بقطاع البترول المصري
وفيما يخص الوضع الاقتصادي لقطاع البترول، أوضح كمال أن الدولة لم تعد قادرة على تمويل استيراد الغاز بنفس القوة التي كانت عليها في السنوات الماضية، بسبب نقص العملة الأجنبية. كما لفت إلى أن التوترات الأمنية، مثل سقوط طائرات مسيرة في سيناء، زادت الضغوط على القطاع السياحي، بالاضافة الى تدهور الوضع الاقتصادى بقناة السويس مما يفاقم الأزمة الاقتصادية بشكل عام.
ضغوط ممنهجة على مصر لأسباب سياسية
وعن الغاز الإسرائيلي، أشار "وزير البترول الأسبق" إلى أن هناك تراجعًا متوقعًا في الإنتاج، موضحًا أن "إسرائيل كانت تخطط لإنتاج 1.5 مليار قدم مكعب، لكن التوقعات تشير إلى خفض الإنتاج إلى 700 مليون قدم مكعب فقط". وأضاف بلهجة حادة: "الإسرائيليون لا أمان لهم، ولديهم دائمًا حجج جاهزة لتبرير أي قرار"
البدائل المتاحة ورفع التكلفة على الدولة
وفي السياق ذاته، قال المهندس مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، فى تصريحات خاصة، إن "البدائل المتاحة يمكن أن تخفف من حدة المشاكل، لكن قطع الغاز الإسرائيلي عن مصر سيؤدي إلى زيادة الاعتماد على مراكب التغييز والغاز المسال، مما سيرفع التكلفة على الدولة". وأضاف: "إسرائيل لا تمتلك بنية تحتية كافية لتسييل الغاز، لذا فإن وقف التصدير لمصر سيؤدي إلى خسائر لها أيضًا".
استمرار إنخفاض إنتاج الغاز المصري
وأشار يوسف إلى أن الطلب على الغاز في الصيف القادم لن يؤدي إلى انقطاعات في الكهرباء، وفقًا للتصريحات الحكومية، موضحًا أن "عجز الغاز سيتم تعويضه عبر استيراد الغاز المسال"، لكنه حذر من أن إنتاج الغاز المحلي انخفض من 4.6 مليار قدم مكعب إلى 4.1 مليار حاليًا، بينما كان من المفترض أن يصل إلى 5 مليارات في يونيو، إلا أن المؤشرات الحالية لا تدعم ذلك التوقع.
أرتفاع اسعار النفط والغاز الطبيعي
وعن أسعار الغاز والنفط، أكد يوسف أن هناك ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار النفط عالميًا، ما ينعكس على واردات مصر من الغاز المستورد، والتي زادت بطبيعة الحال. وأوضح أن "سعر الغاز المستورد حاليًا وفقًا للمعادلة السعرية المصرية يصل إلى 15.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية"، وهو ما يشكل عبئًا إضافيًا على الموازنة.
وشدد يوسف على ضرورة أن يدرس قطاع البترول المصري الوضع الإقليمي جيدًا، والبحث عن بدائل تضمن استمرار عجلة الإنتاج، مؤكدًا أن تأمين الغاز أصبح مسألة حيوية للاقتصاد المصري خلال المرحلة القادمة.
ومع استمرار التوترات الجيوسياسية في منطقة المتوسط، تتزايد الضغوط على سوق الغاز، وسط تنافس بين اللاعبين الإقليميين ومحاولات لفرض واقع جديد في خريطة الطاقة. وبينما تسعى مصر للحفاظ على مكانتها كمركز إقليمي لتداول الطاقة، يظل التحدي الأكبر في ضمان استقرار الإمدادات واستمرار عمليات الإنتاج والاستكشاف، في ظل الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية المحيطة.