"4 قرارات مصيرية".. اللواء عاطف مفتاح قائد هندسي صنع هوية المتحف الكبير
حين تُروى قصة المتحف المصري الكبير، لا ينبغي أن تتوقف عند حجم المبنى، أو فخامة الواجهات، أو روعة العروض المتحفية فقط، فكل ما أمامنا من إنجاز، هناك عقل هندسي وإداري وقف خلفه، ليس مجرد إنجاز، وإنما ليعيد صياغة “هوية” المشروع منذ أن كان حلماً على الورق، حتى صار اليوم صرحاً حضارياً يقف على بوابة أهرامات الجيزة.
وعبر التقرير التالي نتعرف عن قرب على اللواء مهندس عاطف مفتاح، المشرف العام على مشروع المتحف المصري الكبير والمنطقة المحيطة به، في الفترة من 2106 وحتى 2024، حيث قال الدكتور عيسى زيدان مدير عام ترميم ونقل الآثار في المتحف الكبير، تولى اللواء عاطف مفتاح المسؤولية في مرحلة حساسة للغاية، وهو لم يكن مجرد مسؤول متابعة، بل كان “صاحب قرار” في ملفات هندسية مركبة غيرّت شكل المشروع.

من هندسة القرار إلى هندسة الرمز
عندما قام بالإشرف علي دخول أول قطعة أثرية إلى بهو المتحف الكبير، 25 يناير 2018م، والذي كان الجد الأعظم للقدماء المصرييين تمثال الملك رمسيس الثاني وكان بمثابة التعريف البصري للمتحف، لم يتم الاكتفاء بوضع تمثال في بهو الاستقبال، بل كان الاتجاه أن يكون هناك رمز هندسي يُعبر عن مصر القديمة في قلب مدخل المتحف.
ومن هنا خرجت فكرة المسلة المعلقة كفكرة مصرية خالصة، ومسلة رمسيس الثاني تحديدًا، فهي فكرة جريئة، لم تُنفذ بهذه الطريقة في أي متحف عالمي أو اي ميدان من ميادين العالم “مسلة معلقة”، وبالمرور تحتها وأنت تدخل المتحف، لتمر تحت اسم الملك العظيم رمسيس الثاني “نص هيروغليفي حي” يرفرف في الهواء، هذه لم تكن “فكرة فن”… بل “هندسة هوية”.

مركب الملك خوفو… قرار جريء وخطر محسوب
نأتي للقرار الأصعب هندسيًا، وهو نقل مركب الملك خوفو من منطقة الهرم إلى المتحف، ذلك المركب الأثري الأقدم من 4600 عامًا، وهو قطعة واحدة من الخشب غير قابلة للفك.
كم من علماء العالم قالوا: مستحيل.
لكن داخل هذه الدائرة كانت هناك رؤية: لا يمكن أن يتحول المتحف المصري الكبير إلى “أعظم متحف للعالم” بينما أغلى قطعة (المركب) باقية في متحف قديم بجوار الهرم، ونشاهد هنا واحدة من أكثر عمليات النقل الأثري تعقيداً في القرن 21.

نقل تمّ بدراسة وزن، ومحاور ميل، وحسابات اهتزاز، ومناسيب الأرض، كل هذا تحت إشراف اللواء مهندس عاطف مفتاح، وبالتنسيق الكامل مع مع الأثريين والمرممين ، وفرق النقل المتخصصة، والفريق العلمي، وكان هذا القرار هو الذي أغلق آخر باب جدل في العالم: “هل المتحف مشروع للعرض؟ أم مشروع لتغيير مفهوم العرض؟”
ممشى سياحي مباشر بين الهرم والمتحف
كان واحد من أصحاب الفكرة والتنفيذ لتأسيس ممشى حضاري سياحي حيّ يربط المتحف مباشرة بمنطقة هضبة الأهرامات.

هذه الرؤية حولت المنطقة من نقاط متفرّقة، إلى منظومة موقع واحد، ليصبح المتحف امتداداً لمشهد الأهرامات، لا مبنى منفصل عنها، وكان اللواء مهندس عاطف مفتاح هو صاحب قرار المسلة المعلقة وتفاصيل تنفيذها، وكذلك قرار نقل مركب خوفو وتنفيذه بنجاح كامل، وكذلك تشكيل هوية المدخل والفراغ العام، كما وضع رؤية الربط بين هضبة الهرم والمتحف في تصميم الحركة والمشاة، وهذه ليست مشاريع مجزأة، بل هي “سلسلة قرارات” صنعت علامة هندسية تاريخية في مصر.