00 أيام
00 ساعات
00 دقائق
00 ثواني

🎉 افتتاح المتحف الكبير ! 🎉

عاجل

قصص الأنبياء|كم سنة لبث أيوب عليه السلام في بلائه؟.. عالم أزهري يوضح

تفسير القرآن الكريم
تفسير القرآن الكريم

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ • ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُعْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ • وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَعَهُمْ رَحْمَةً مَنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ • وَخُذْ بِيَدِكَ ضِعْْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَتْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}[ص : آية ٤١ - ٤٤].

قصة مرض أيوب عليه السلام 

يقول أ.د جمال الأكشة عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر: يَذْكُرُ تبارك وتعالى عبده ورسوله أيُّوبَ عليه الصلاة والسلام ، وما كان ابتلاه تعالى به من الضُّرِّ في جسده وماله وولده، حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليمًا سوى قلبه، ولم يبق له من الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه، غير أن زوجته حفظت ودَّه لإيمانها بالله تعالى ورسوله فكانت تخدم الناس بالأجرة،  وتطعمه وتخدمه نحواً من ثماني عشرة سنة ، وقد كان قبل ذلك في مال جزيل ، وأولاد وسعة طائلة من الدنيا ، فَسُلِبَ جميع ذلك حتى آل به الحال إلى أن أُلْقِى على مزبلة من مزابلِ البلدة هذه المدة بكمالها، ورفضه القريبُ والبعيدُ سوى زوجته رضى الله عنها، فإنها كانت لا تُفَارقه صباحًا ومساءً إلا بسبب خدمة الناس ، ثم تَعُود إليه قريبًا ، فلما طال المطال، واشتد الحال، وانتهى القدر، وتم الأجل ، المقدر ، تَضَرَّعَ لربِّ العالمين وإله المرسلين فقال: {إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}.

 وفي هذه الآية الكريمة قال تعالى {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب}، قيل: بنصبٍ في بدنى وعذابٍ في مالي وولدي ، فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين ، وأمره أن يقوم من مقامه ، وأن يركض الأرض برجله ففعل ، فأنبع الله تعالى عيناً وأمره أن يغتسل منها، فأذهبت جميع ما كان في بدنه من الأذى، ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر، فأنبع له عيناً أخرى وأمره أن يشرب منها، فأذهبت جميع ما كان في باطنه من السوء، وتكاملت العافية ظاهراً وباطناً. 

ولهذا قال تبارك وتعالى: {اركُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُعْتَسلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}: قال القرطبي: أي فركض فنبعت عين ماء فأغتسل به ، فذهب الداء من ظاهره ، ثم شرب منه فذهب الداء من باطنه. وقال قتادة : هما عينان بأرض الشام في أرض يُقال لها الجابية ، فاغتسل من إحداهما فأذهب الله تعالى ظاهر دائه ، وشرب من الأخرى فأذهب الله تعالى باطن دائه. ونحوه عن الحسن ومقاتل.
قال مقاتل : نبعت عين حارَّة وأغتسل فيها فخرج صحيحا ، ثم نبعت عين أخرى فشرب منها ماء عذبا.

وقال القتبي: أمر بالركض بالرجل ليتناثر عنه كل داء في جسده ، والمُغْتَسَل الماء الذى يغتسل به.

وقال مقاتل: إنه الموضع الذي يغتسل فيه.

(١) وقد روي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إنَّ أيُّوبَ نبيُّ اللهِ لمّا لبِث في بلائِه ثماني عشرةَ سنةً، فرفضه القريبُ والبعيدُ إلّا رجلَيْن من إخوانِه كانا يغدُوان إليه ويروحان ، فقال أحدُهما لصاحبِه: تعلمُ واللهِ لقد أذنب أيُّوبُ ذنبًا ما أذنبه أحدٌ من العالمين. فقال له صاحبُه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرةَ سنةً لم يرحَمْه اللهُ فيكشِفْ ما به ، فلمّا راح إليه لم يصبِرِ الرَّجلُ حتّى ذكر ذلك له. فقال أيُّوبُ: لا أدري ما تقولُ ، غيرَ أنَّ اللهَ يعلمُ أنِّي كنتُ أمرُّ على الرَّجلَيْن يتنازعان فيذكُران اللهَ وأرجِعُ بيتي وأُكفِّرُ عنهما كراهيةَ أن يُذكَرَ اللهُ إلّا في حقٍّ ، قال: وكان يخرُجُ إلى حاجتِه ، فإذا قضى حاجتَه أمسكَتِ امرأتُه بيدِه ، فلمّا كان ذاتُ يومٍ أبطأ عليها ، فأوحى اللهُ إلى أيُّوبَ في مكانِه ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ [ص: ٤٢] فاستبطأته، فبلغته فأقبل عليها قد أذهب اللهُ ما به من البلاءِ فهو أحسنُ ما كان. فلمّا رأته قالت: أيْ بارك اللهُ فيك، هل رأيتَ نبيَّ اللهِ هذا المُبتلى واللهِ على ذلك، ما رأيتُ أحدًا كان أشبهَ به منك إذ كان صحيحًا قال: إنِّي هو ، وكان له أندَران أَندَرُ القمحِ وأندَرُ الشَّعيرِ ، فبعث اللهُ سحابتَيْن فلمّا كانت إحداهما على أَندَرِ القمحِ أفرغت فيه الذَّهبَ حتّى فاضت ، وأفرغت الأخرى على أندَرِ الشَّعيرِ الورِقَ حتّى فاضتْ". أخرجه البزار، وابن حبان، والحاكم باختلاف يسير، وصححه الوادعي في دلائل النبوة.

يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ: "أنَّ أَيُّوبَ نَبيَّ اللهِ لما لَبِثَ"، أي: ظَلَّ واسْتَمَرَّ وبَقِيَ، "في بلائِهِ ثمانيَ عَشْرَةَ سَنَةً، فرَفَضَهُ"، أي: ابْتَعَدَ عنه "القَريبُ والبعيدُ إلَّا رَجُلَيْنِ من إِخْوانِهِ كانا يَغْدُوانِ إليه"، أي: يَذْهَبانِ إليه صباحًا، "ويَروحانِ"، أي: ويَذْهَبانِ إليه مساءً، "فقال أحَدُهُما لصاحِبِهِ: تَعْلَمُ واللهِ، لقد أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذنْبًا ما أَذْنَبَه أَحَدٌ من العالَمين"، أي: ظَنَّ الرَّجُلُ أنَّ مَرَضَ أَيُّوبَ عليه السَّلامُ إنَّما هو ابتلاءٌ من اللهِ لذَنْبٍ كبيرٍ، "فقال له صاحِبُهُ: وما ذاك؟"، أي: يَسْأَلُهُ صاحِبُهُ عن مَرجِعِ ظَنِّهِ هذا، "قال: منذُ ثمانيَ عَشْرَةَ سَنَةً لم يَرْحَمْهُ اللهُ؛ فيَكْشِفَ ما به"، أي: لم يَشْفِهِ من مَرَضِه، والمُرادُ: أنَّ طولَ مُكْثِهِ في المَرَضِ يَدُلُّ على أنَّه أَثَرُ ذَنْبٍ أَذْنَبَه، "فلمَّا راحَ إليه"، أي: ذَهَبَ إلى أَيُّوبَ، "لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حتى ذَكَرَ ذلك له"، أي: أَخْبَرَ أَيُّوبَ بقَوْلِ صاحِبِهِ، "فقال أَيُّوبُ: لا أَدْري ما تقولُ"، أي: لا أَعْرِفُ حقيقةَ ما تَقولُ، وهل وَقَعْتُ في ذَنْبٍ دُونَ أنْ أَشْعُرَ أمْ لا؟ ثم قال مُتذكِّرًا عمَلَهُ الصالِحَ: "غيرَ أنَّ اللهَ يَعْلَمُ أنِّي كنُت أَمُرُّ على الرَّجُليْنِ يَتَنازعانِ"، أي: يَخْتَصِمانِ ويَتَجاذبانِ "فيَذْكُرانِ اللهَ"، أي: يَذْكُرانِ اللهَ في خِصامِهِما "وأَرْجِعُ بَيْتِيَ وأُكَفِّرُ عنهما كَراهيةَ أنْ يُذْكَرَ اللهُ إلَّا في حَقٍّ" وهذا دليلٌ على وَرَعِ أَيُّوبَ عليه السَّلامُ وحُبِّهِ للهِ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وكان يَخْرُجُ إلى حاجَتِهِ"، أي" لقَضاءِ حاجَةِ الإنْسانِ مِنَ البَوْلِ أوِ الغائِطِ، "فإذا قَضَى حاجَتَهُ أَمْسَكَتِ امرأتُه بيَدِهِ، فلمَّا كان ذاتَ يوْمٍ أَبْطَأَ عليها"، أي: تَأَخَّرَ في الخُروجِ من مَكانِ قَضاءِ الحاجَةِ "فأَوْحى اللهُ إلى أَيُّوبَ في مَكانِهِ: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} الرَّكضُ تَحْريكُ الرِّجْلِ، والمعنى: اضْرِبْ بِرِجْلِك الأَرْضَ وَحَرِّكْ، فَرَكَضَ، فنَبَعَتْ عَيْنٌ فقال: {هَذَا مُغْتَسَلٌ باَرِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: ٤٢] أي: هذا ماءٌ مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وشَرابٌ، أي: يُغْتَسلُ بِهِ وَيُشْرَبُ مِنْهُ "فاسْتَبْطَأَتْهُ فَبَلَغَتْهُ"، أي: لَمَّا تأخَّر ذَهَبَتْ لمكانِهِ "فَأَقْبَلَ عليها قد أَذْهَبَ اللهُ ما به من البلاءِ"، أي: المَرَضِ "فهو أَحْسَنُ ما كان، فلما رَأَتْهُ قالت: أي بارَكَ اللهُ فيك، هل رأيْتَ نَبيَّ اللهِ هذا المُبْتَلَى، واللهِ على ذلك، ما رأيْتُ أحَدًا كان أشْبَهَ به مِنْكَ؛ إذ كان صحيحًا، قال: إنِّي هو، وكان له أَنْدَرانِ"، أي: مَخْزَنانِ ومَكانانِ لِجَمْعِ الثِّمارِ "أَنْدَرُ القَمْحِ، وَأَنْدَرُ الشَّعيرِ، فبَعَثَ اللهُ سَحابَتَيْنِ، فلمَّا كانت إحداهما على أنْدَرِ القَمْحِ، أَفْرَغَتْ فيه الذَّهَبَ حتى فاضَتْ، وأَفْرَغَتِ الأُخْرى على أَنْدَرِ الشَّعيرِ الْوَرِقَ حتى فاضَتْ"، أي: اِمْتَلَأَ المَكانانِ بالذَّهَبِ والفِضَّةِ تَعْويضًا مِنَ اللهِ لِنَبِيِّهِ ورَحْمةً به.

وفي الحديثِ: أنَّ أنبياءَ اللهِ بَشَرٌ يَجري عليهم من الأعراضِ البَشريَّةِ ما يَجري على غيرِهم، كالجُوعِ والعَطشِ والمرضِ العادي الذي لا يُؤدِّي إلى نَقْصٍ أو تنفيرٍ منهم.

(٢)روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"بيْنا أيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيانًا ، فَخَرَّ عليه جَرادٌ مِن ذَهَبٍ ، فَجَعَلَ أيُّوبُ يَحْتَثِي في ثَوْبِهِ ، فَناداهُ رَبُّهُ: يا أيُّوبُ ، ألَمْ أكُنْ أغْنَيْتُكَ عَمّا تَرى؟ قالَ: بَلى وعِزَّتِكَ، ولَكِنْ لا غِنى بي عن بَرَكَتِكَ".صحيح البخاري.

في هذا الحديثِ يُخبِرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ نبيَّ اللهِ أيُّوبَ عليه السَّلامُ كان يَغتسِلُ مرَّةً عُريانًا ولكن بعيدًا عن الأعيُنِ، فنَزَلَ عليه مِنَ السَّماءِ جَرادٌ مِن ذهبٍ مُعجزةً مِنَ الله تعالى، فجعَلَ أيُّوبُ عليه السَّلامُ يأخذُ بيَدِه ويَرْمي في ثَوبِه، فقال له اللهُ تعالى: «يا أيُّوبُ، ألمْ أكُنْ أَغنيْتُك عمَّا ترى»، وهذا ليسَ بعِتابٍ منه تعالَى، بل مِن قَبيلِ التَّلطُّفِ والامتحانِ بأنَّه هل يَشكُرُ على ما أُنْعِمَ عليه فيَزيدَ في الشُّكرِ؛ ولذلك أقسَمَ أيُّوبُ عليه السَّلامُ بعِزَّةِ الله أنَّه يَعترِفُ ويُقِرُّ بنعمةِ الله عليه، ثمَّ قال: ولكنْ لا غِنى لي عن بَرَكتِك، فمُحالٌ أنْ يكونَ أيُّوبُ صلَواتُ اللهِ عليه وسلامُه أخَذَ هذا المالَ حُبًّا لِلدُّنيا، وإنَّما أخَذَه كما أخبَر هو عن نفْسِه؛ لأنَّه بَرَكةٌ مِن ربِّه تعالى؛ لأنَّه قريبُ العَهدِ بِتكوينِ اللهِ عزَّ وجلَّ، أو أنَّه نِعمةٌ جديدةٌ خارقةٌ لِلعادةِ، فيَنبغي تلقِّيها بالقَبوِل، مع إظهارِ أنَّه فقيرٌ إلى ما أنزَلَه اللهُ مِن خَيرٍ، وفي ذلك شُكرٌ على النِّعمةِ، وتعظيمٌ لِشأنِها، وفي الإعراضِ عنها كُفرٌ بها.وفي الحديثِ: مشروعيَّةُ الحِرصِ على المالِ الحَلالِ.وفيه: بيانُ فَضْلِ الغِنى لِمَن شَكَر؛ لأنَّه سمَّاه بَرَكةً.
ولهذا قال تبارك وتعالى {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب} 

قال الحسن وقتادة: أحياهم الله تعالى له بأعيانهم وزادهم مثلهم معهم. وقوله عز وجل {رحمة منا} أى به على صبره وثباته وإنابته وتواضعه واستكانته. {وذكرى لأولي الألباب} أى لذوى العقول ، ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج والمخرج والراحة.

وقوله جلت عظمته: {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث} وذلك أن أيوب عليه الصلاة والسلام كان قد غضب على زوجته ووجد عليها في أمرٍ فَعَلَتهُ قيل: باعت ضفيرتها بخبزٍ فأطعمته إياه فلامها على ذلك ، وحلف إن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة جلدة. وقيل: لغير ذلك من الأسباب ، فلما شفاه الله عز وجل وعافاه ، ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب ، فأفتاه الله عز وجل أن يأخذ ضغثاً ، وهو الشمراخ فيه مائة قضیب فیضربها به ضربة واحدة ،  وقد برَّت يمينه وخرج من حنثه ووفى بنذره ، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله تعالى وأناب إليه ؛ ولهذا قال جل وعلا: {إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب} أثنى الله تعالى عليه ومدحه بأنه {نعم العبد إنه أواب} أى رجاع منيب ، ولهذا قال جل جلاله ؛ {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا}. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، تفسير القرآن العظيم لابن كثير، صفوة التفاسير، الدرر السنية.

تم نسخ الرابط