الشيخة سمارة.. حرمها الله البصر ووهبها بصيرة أضاءت دروب المبصرين بنور القرآن
يحمل الحرمان الظاهري في طياته عطاء ربانيا لا يقاس, والشيخة اعتماد عيسى الشهيرة بـ الشيخة سمارة حرمت من نعمة البصر منذ ولادتها، لكن الله سبحانه وتعالى عوّضها ببصيرةٍ نافذة، وحافظة قوية، وحب جارف لكتاب الله، فحفظت القرآن الكريم كاملا وهي في الحادية عشرة من عمرها، لتصبح النة محافظة القليوبية واحدة من أشهر محفظات القرآن وعلوم القراءات في العصر الحديث.
لم تكن طفولتها كأقرانها إذ قضت سنواتها الأولى بين صفحات المصحف الشريف، تحفظ وتراجع وتستزيد، حتى أتقنت القراءات العشر، ثم كرست حياتها لتعليمها للرجال والنساء والأطفال على حدٍّ سواء, وبرغم فقدانها البصر، صارت أنوار القرآن تفيض من قلبها على من حولها، فأقبل عليها طلاب العلم من كل صوبٍ لينهلوا من علمها الراسخ وصوتها المفعم بالخشوع والإخلاص.
جوائز في حفظ وتجويد القرآن وتلاوته
نالت الشيخة سمارة العديد من الجوائز في حفظ وتجويد القرآن وتلاوته، غير أن أعظم جوائزها كانت محبة الناس لها، وثناء العلماء على إخلاصها، وإجازتها لعشرات الحفظة الذين صاروا اليوم مشايخ ومعلمين في شتى أنحاء مصر وخارجها, وكانت رحمها الله ترى أن من أعظم ما يصيب المسلم أن يهجر القرآن، فكانت تنصح الشباب قائلة:من ترك مراجعة القرآن نسيه لا محالة، ومن أقبل عليه بالنية الصادقة أعانه الله على حفظه وتثبيته.
وصيتها للمبتدأ في حفظ القرآن
ولمن يبدأ الحفظ لأول مرة كانت الشيخة سمارة توصيه بالاستماع إلى الشيخ محمود خليل الحصري أو الشيخ محمد صديق المنشاوي، وبالتدرّج في الحفظ دون استعجال، مؤكدة أن العزيمة والنية الخالصة هما مفتاح التوفيق.
و منحت الشيخة سمارة الإجازة في تعليم القرآن لمن رأت فيه الأهلية الكاملة من حفظٍ متقنٍ وتجويدٍ راسخٍ، وكانت دقيقةً في اختيار من تمنحهم هذا الشرف العظيم.
وعن إقبال الأطفال على الحفظ، كانت تقول إن النسبة في تزايد مستمر، لكنها كانت تميل في سنواتها الأخيرة إلى التفرغ لكتابة مؤلفاتها في علم القراءات، مؤكدة أن بعضًا منها سيصدر في معرض الكتاب.
وفي نصائحها التي بقيت محفورة في ذاكرة طلابها ومحبيها، أوصت الشباب قائلة: عودوا إلى ربكم، وتمسكوا بكتاب الله، فهو النور الذي يهدي إلى الصراط المستقيم، وبه تُهزم شياطين الإنس والجن."
تبرعها للجمعيات الخيرية ودور الأيتام
ويقول أحد طلابها الشيخ محمود عبد الله : توفيت الشيخة سمارة بعد أزمة صحية مفاجئة، استيقظت على إثرها غير قادرة على التنفس، فقام الجيران بنقلها على وجه السرعة إلى المستشفى، لكنها فارقت الحياة هناك. الراحلة لم تترك وصايا كثيرة، غير أنها أوصت بأن تسلم الأموال التي كانت تجمعها إلى الجمعيات الخيرية ودور الأيتام، حرصا منها على استمرار الخير الذي اعتادت عليه في حياتها. عُرفت الشيخة سمارة بين محبيها وتلاميذها بصدقها في القول والعمل، وبأمانتها في تعليم القرآن الكريم، فلم تكن تجامل أحدًا، وكانت تولي اهتمامًا خاصًا بالأطفال والنشء، تسعى لتنشئتهم على القيم والخلق الكريم. وقد دُفنت الفقيدة في مقابر قليوب وسط حالة من الحزن والدعاء بالرحمة والمغفرة من أهلها وتلاميذها وكل من تأثروا بسيرتها.
وتركت الشيخة سمارة وراءها إرثا من المحبة والعلم والعمل الصالح، سيظل شاهدا على حياةٍ قُضيت في خدمة كتاب الله ونفع الناس، وسيرةٍ مضيئة تروى للأجيال القادمة عن امرأةٍ كفيفةٍ رأت بنور الإيمان ما لم يره كثير من المبصرين.




