بحر الصين الجنوبي لم يعد مجرد مسطح مائي تحيط به سواحل عدد من الدول الآسيوية، بل تحول إلى مسرح للصراع الأكثر خطورة وإيحاءً في القرن الحادي والعشرين، حيث تتصادم أحلام الهيمنة الإقليمية مع حقائق الجغرافيا والسيادة الدولية هذه البقعة الاستراتيجية التي تمر عبر ثلث التجارة البحرية العالمية وتختزن تحت أمواجها احتياطيات هائلة من النفط والغاز، أصبحت مؤشرًا مضيئًا على خريطة التوتر العالمي، تعكس التحولات العميقة في موازين القوى وتراجع الثقة في النظام الدولي القائم في قلب هذا الصراع تقف الصين، القوة الصاعدة التي تتحدى النظام الذي تقوده الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة إن مطالبة بكين بمعظم مساحة البحر على أساس "الحقوق التاريخية"، التي تتعارض مع قانون البحار الدولي، ليست مجرد نزاع حدودي مع جيرانها مثل فيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي، بل هي اختبار جريء لإرادة المجتمع الدولي وقدرته على احتواء طموحات القوى الصاعدة إن الطريقة التي تتصرف بها الصين هنا من بناء جزر اصطناعية عسكرية، وتسيير دوريات بحرية عدوانية، وتحدي سفن الدول الأخرى تقدم دليلاً عمليًا على نموذجها الجيوسياسي الذي لا يتردد في تحدي الأعراف والقوانين الدولية عندما تتعارض مع مصالحها الوطنية.
ولكن هذا الصراع ليس أحادي الجانب، فالدول المطلة على البحر لا تواجه الصين وحدها، بل تجد ظهرًا داعمًا من القوة البحرية التقليدية الولايات المتحدة الأمريكية إن الوجود العسكري الأمريكي المنتظم في هذه المياه، من خلال ما تسميه واشنطن "عمليات الحرية الملاحية"، حيث تعبر السفن الحربية الأمريكية عمدًا بالقرب من الجزر المتنازع عليها، هو رسالة واضحة بأن الهيمنة الأمريكية في المحيط الهادئ ليست للمساومة هذا التصادم بين كتلتبين بحريتين كل واحد يحاول الحفاظ على هيمنته، والآخر يسعى لنيل نصيبه يحول بحر الصين الجنوبي إلى شاشة عرض للصراع الاستراتيجي الأوسع بين القوتين العظميين إنه اختبار للإرادة والقدرة، حيث يتعلق الأمر بمن سيسيطر على واحدة من أكثر الممرات المائية حيوية في العالم، ومن سيكون له الكلمة الأولى في شؤون منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
لكن تداعيات هذا الصراع تتجاوز بكثير الجدران الزجاجية في قاعات القيادة في واشنطن وبكين. فالتوتر المتصاعد في هذه المياه يهدد شريانًا حيويًا للتجارة العالمية، حيث أن أي تصعيد عسكري يمكن أن يعطل تدفق السلع من النفط إلى الإلكترونيات مما سيسبب صدمة للاقتصاد العالمي بأسره الأهم من ذلك، أن الصراع هنا يخلق سابقة خطيرة، حيث يشجع دولاً أخرى على تبني نهج مشابه في نزاعاتها الإقليمية، مما يقوض النظام القائم على القواعد الذي حافظ على قدر من الاستقرار الدولي منذ الحرب العالمية الثانية إن تقاعس المجتمع الدولي عن إيجاد حل حاسم للنزاع، وعجزه عن فرض احترام قانون البحار، يرسل رسالة مفادها أن القوة وحدها هي التي تحسم النزاعات في هذا العصر باختصار، بحر الصين الجنوبي هو أكثر من مجرد نزاع إقليمي؛ إنه مرآة تعكس عالمًا في حالة تحول، حيث تتصادم النماذج الجيوسياسية، وتتراجع الهيمنة الغربية، وتصبح القواعد الدولية قابلة للتفاوض الطريقة التي سينتهي بها هذا الصراع سواء عبر الحوار أو المواجهة ستشكل ليس فقط مستقبل آسيا، ولكن طبيعة النظام العالمي للأجيال القادمة.
00
أيام
00
ساعات
00
دقائق
00
ثواني
🎉 افتتاح المتحف الكبير ! 🎉