يقال والله اعلم، إنه في منتصف السبعينيات على وجه التقريب، استخدمت وزارة الدفاع الأمريكية قناة سرية للاتصال بين قواعدها العسكرية في داخل البلاد، وخارجها.
وكانت تلك القناة وسيلة حربية احتياطية لتحاشي انقطاع الاتصال الهاتفي إذا ما ضربت سنترالات التليفون الأرضية، والهوائيات الخاصة بها لسبب ما أو لآخر.
إنها هواجس الحرب الباردة، وكانت المخاوف على أشدها من اندلاع حرب عالمية ثالثة، خصمها الأول الاتحاد السوفيتي السابق، وبلدان الكتلة الشرقية التي عرفت باسم "حلف وارسو".
وأطلق على وسيلة الاتصال المبتكرة تلك عدة أسماء آنذاك، منها ما هو كودي، ومنها غير ذلك. وهكذا، ترددت كلمة "انترنت" على استحياء في نهاية المطاف.
سقطت الكتلة الشرقية بكاملها اعتبارا من نهاية الثمانينيات، ولتبدأ واشنطن في الترويج للاختراع الجديد ببطء حتى تستفيد منه، وتسيطر به على الآخرين.
إنها مجرد وسيلة اتصال متعددة الأغراض، تتميز بسرعتها وتعذر التشويش عليها، بفضل تعدد حلقات الاتصال المستخدمة، ووجود الأقمار الاصطناعية كمكون أساسي فيها، إلى جانب الحاسبات، وكابلات التليفون البحرية القائمة بالفعل.
وتدريجيا، انطلقت الشركات الأمريكية في تحسين طرق الاستفادة من وسيلة الاتصال المستحدثة بوضع الابتكارات الفردية موضع التنفيذ. توفر تشجيعا مطلقا لفكرة وراء أخرى، ولينطلق صاحبها بخياله إلى أعنان السماء. إذا نجح، حقق المال والشهرة.
وإذا فشل، لا بأس، ليحاول مرة أخرى. وبالتزامن، اندفعت البنوك لتوفير التمويل اللازم بسخاء. انظر معي الآن، هذه شركات جديدة أصغر حجما بكثير، نشأت من رحم أخرى قديمة وشديدة الضخامة، ليس في شكل منشآتها فحسب، بل في أعداد عامليها، وهياكلها التنظيمية.
كانت بمثابة ديناصورات مترهلة، عفا عليها الزمن، كالسيارات الأمريكية الفاخرة، مبالغة الأبعاد، عالية الاستهلاك للوقود. وداعا لذلك العصر. مرت أعوام، وبنى كل صاحب فكرة جديدة فوق إنجاز سابقه، أو حتى معاصره. ينقح، ويحسن، ويزيد، بغض النظر عن لونه، أو جنسه، أو لغته. عليه أن يكون مبدعا فحسب، ليدخل الولايات المتحدة دون قيد أو شرط، ولغرض محدد هو إعلاء شأن الدعوة الجديدة. الانترنت.
وفي بحر بضعة أعوام، ينول الداعية المخلص، الخادم الأمين، حق الإقامة، ومن بعده الجنسية الكريمة. وهكذا، انتشرت الكيانات الأمريكية الناشئة، وأطلقوا عليها اسم شركات التكنولوجيا المتقدمة.
انتعشت وتألقت، تحت أسماء قصيرة وبراقة، بينما صارعت حكومات بقية دول العالم لتوفير الطعام اللازم لمواطنيها، ومكافحة التضخم الذي ينهش دخولهم، واقتناء قطعة سلاح جيدة لحماية الحدود من عدو حقيقي أو وهمي. في ظل هذه الأجواء، ظهر جوجل محرك البحث العملاق.
بدأ صغيرا يحبو مع آخرين، وسرعان ما اكتسح رفاق مسيرة الكفاح. والآن، لا ضرورة مطلقا للحفظ عن ظهر قلب، فلدى جوجل الذاكرة المطلوبة. لا نهائية. وإياك أن تتعب نفسك بالفكر، والبحث الدءووب، عن معلومة في مكتبة، أو مرجع قديم. اسأل جوجل فحسب. والأسوأ من هذا كله، إذا أردت أن تنشر كسائر الناس، فعليك أن تحترم اشتراطات جوجل رضي الله عنه.
فإذا رضي عنك، أحبك الناس، وانتشرت، وحققت الثراء، ونافست الجاحظ والمتنبي بكل يسر. وإذا ما كفرت بشريعة ذلك المحرك الأبكم، لا أراك الله مصابا في عزيز لديكم..