المراد بالإطراء المنهي عنه في حديث النبي عليه الصلاة والسلام «لا تُطْرُونِي»
أوضحت دار الإفتاء المصرية معنى الإطراء الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه»، موضحة أن الهدف من هذا النهي هو تحذير المسلمين من الغلو والمبالغة في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يرفع قدره إلى مقام الألوهية أو يمنحه صفات لا يمتلكها إلا الله سبحانه وتعالى.
الإطراء المنهي عنه
وأشارت الإفتاء إلى أن الإطراء المنهي عنه هو المدح بالباطل أو بالغلو، أي الإفراط في المدح بما يتجاوز الحقيقة. وقد بيّن الإمام ابن حجر في كتابه «فتح الباري» أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد بذلك تنبيه المسلمين إلى عدم المبالغة كما فعلت بعض طوائف النصارى مع سيدنا عيسى عليه السلام، حيث نسبوا له ما هو من خصائص الله عز وجل.
وذكرت دار الإفتاء مثالًا من زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قالت إحدى النساء: «وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ»، فنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا القول وطلب منها تعديل كلامها، مؤكدًا أن علم الغيب من خصائص الله وحده، ولا يعلمه إلا ما علمه الله لرسوله. وأكدت الإفتاء أن هذا الموقف يوضح أن النهي يتعلق بالمدح الذي يتضمن الغلو في صفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وليس النهي عن المدح المشروع الذي يليق به.
أما المدح المشروع، فهو ما يُعرف بالمديح النبوي، ويكون في صورة شعر أو قصائد تصف صفاته الخلقية والأخلاقية، وتبرز شوق المسلمين لرؤيته واتباع سنته، وزيارة قبره الشريف والأماكن المرتبطة بسيرته، مع تعداد معجزاته المادية والمعنوية، والإشادة بغزواته وصفاته الفاضلة. ويستند هذا النوع من المديح إلى القرآن الكريم أولًا، والسنة النبوية ثانيًا، مع الاعتماد على المصادر المعتمدة في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مثل: «السيرة النبوية» لابن هشام، و«السيرة الحلبية» لابن حبان، و«الوفا بأحوال المصطفى» لابن الجوزي، و«الشفا بتعريف حقوق المصطفى» للقاضي عياض، وغيرها من الكتب التي وثقت حياة النبي بالتفصيل.
وأكدت دار الإفتاء أن المدح المشروع يعبر عن الحب والاحترام والتقدير للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يرفع مكانته إلى ما لا يليق به، بينما الإطراء المنهي عنه يُعد تعديًا على المنزلة التي خصه الله بها، وقد يؤدي إلى شبهات الغلو التي حرّمها الإسلام.
وختمت دار الإفتاء تقريرها بالتأكيد على أن المسلمين مأمورون بمراعاة حدود المدح المشروع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والالتزام بما جاء في الشريعة من تقدير وتعظيم دون إفراط أو نسب خصائص الله له، اقتداءً بالحديث الشريف الذي بين فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قولوا: عبد الله ورسوله»، ليكون قدوة في الاعتدال والحقيقة في مدحه.