بعد أحداث «كارثة طبيعية».. ما هو الحكم الشرعي لإجهاض الجنين؟.. الإفتاء توضح
حمل مسلسل كارثة طبيعية البحث عن الحكم الشرعي لإجهاض الجنين، وذلك بعد أن حملت زوجة الفنان محمد سلام بخمس توأم، فبحث في المساجد عمن يجيز له إجهاضهم جميعا أو ثلاثة منهم، فما هي أحكام الشرع في إجهاض الجنين؟
إجهاض الجنين بعد نفخ الروح
قالت الإفتاء في بيان حكم إجهاض الجنين بعد نفخ الروح فيه: اتفق الفقهاء على أنه إذا بلغ عمر الجنين في بطن أمه مائة وعشرين يومًا -وهي مدة نفخ الروح فيه- فإنه لا يجوز إسقاط الجنين، ويحرم الإجهاض قطعًا في هذه الحالة؛ لأنه يُعتَبَر قتلًا للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: 151]، ولقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الإسراء: 33].
حكم إجهاض الجنين قبل نفخ الروح فيه
أما إذا لم يبلغ عمر الجنين في بطن أمه مائة وعشرين يومًا فقد اختلف الفقهاء في حكم الإجهاض: فبعضهم قال بالحرمة، وهو المعتمد عند المالكية والظاهرية، وبعضهم قال بالكراهة مطلقًا، وهو رأي بعض المالكية، وبعضهم قال بالإباحة عند وجود العذر، وهو رأي بعض الأحناف والشافعية.
المختار للفتوى في حكم إجهاض الجنين
والراجح المختار للفتوى في ذلك أنه يحرم الإجهاض مطلقًا سواء قبل نفخ الروح أو بعده إلا لضرورة شرعية؛ بأن يُقرِّر الطبيب العدل الثقة أنَّ بقاء الجنين في بطن أمه فيه خطر على حياتها أو صحتها، فحينئذٍ يجوز إسقاطه مراعاة لحياة الأم وصحتها المستقرة، وتغليبًا لها على حياة الجنين غير المستقرة.
وشددت بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما دام في بقاء الجنين خطر مُؤكَّد على حياة الأم أو على صحتها، وقرَّر الأطباء المختصون أنَّ حياته مستحيلة فإنه يتجّه القول بمشروعية الإجهاض في هذه الحالة، ولا مانع من ذلك شرعًا.
هل يجوز الاتفاق على إسقاط الحمل عند حدوثه أو عدم الإنجاب؟
أكدت دار الإفتاء المصرية أنه لا يجوز شرعًا الاتفاق بين الزوجين على إجهاض الجنين حال حدوث حمل، وأن مثل هذا الاتفاق يُعد اتفاقًا على معصية، حتى وإن تمَّ بالتراضي الكامل بين الطرفين، مشددةً على أن الحمل رزق من الله سبحانه وتعالى، لا يملك الإنسان رفضه أو التحكُّم فيه إلا لضرورة يقرّرها الطب الثقة.
جاء ذلك ردًا على سؤال ورد إلى الدار حول حكم اتفاق الزوجين على عدم الإنجاب بعد الزواج، على أن يتمّ إجهاض الحمل في حال وقوعه، وقد حدث بالفعل الحمل، والزوج يُخيّر زوجته بين الإجهاض أو الطلاق.
وفرّقت الدار بين شقين في هذا الاتفاق:
الشق الأول: اتفاق الزوجين على تجنُّب الإنجاب، كأن يتفقا على استخدام وسائل منع الحمل أو العزل، وهو جائز شرعًا؛ لأن العزل مباحٌ كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: «كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبي فلم ينهنا». وبالتالي، إذا وقع من أحد الطرفين إخلال بهذا الاتفاق، فإن ذلك يعد نقضًا للوعد، يُلام عليه من جهة الوفاء، لا من جهة التحريم القطعي، خاصة إن كانت الزوجة قد تعمدت الحمل.
الشق الثاني: الاتفاق على إجهاض الحمل إذا وُجد، وهو غير جائز شرعًا بأي حال، لأنه يُعدّ اعتداءً على حياة الجنين التي صارت لها حرمة شرعية، حتى لو لم تُنفخ فيه الروح بعد؛ بل أجمع الفقهاء على أن إسقاط الجنين بعد 120 يومًا (نحو أربعة أشهر) لا يجوز إلا لضرورة قهرية، مثل وجود خطر محقّق على حياة الأم، يقدّره طبيب عدلٌ ثقة، وهو ما لا ينطبق على مجرد الرغبة في تجنّب الإنجاب لأسباب مادية أو اجتماعية.
وأكدت دار الإفتاء أنه لا يجوز للزوج إجبار زوجته على إجهاض الجنين، ولا يجوز لها طاعته في ذلك، لأن الطاعة لا تكون إلا في المعروف، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
وأضافت أن الأصل في الأبناء أنهم رزقٌ من الله سبحانه وتعالى، يُمكن أن يكون فيهم الخير والبركة، حتى لو ظنّ الإنسان في لحظة ضيق أو انشغال أنه لا طاقة له بتحمّل مسؤولياتهم، مستشهدةً بقوله تعالى: ﴿فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 19].
واختتمت دار الإفتاء بدعوة الزوجين إلى التسليم لأمر الله، والرضا بقضائه، والتفاهم والتراحم في إدارة شؤون الأسرة، مؤكدة أن التصرف في النسل هو من الحقوق المشتركة التي لا تنفرد بها إرادة أحد الزوجين دون الآخر، لكن لا يجوز أن تصل إلى ما يخالف الشرع، كاتفاقٍ مسبق على الإجهاض.

