حكم قضاء أيام رمضان عن المتوفى.. اختلافات فقهية بين المذاهب

تعد مسألة قضاء أيام رمضان عن الشخص المتوفى من أكثر الموضوعات الفقهية التي تثير تساؤلات العديد من المسلمين، خصوصا في ظل اختلاف آراء العلماء حول ما إذا كان يجب على أقارب المتوفى أن يقضوا عنه ما عليه من صيام أم لا. ومن خلال الاطلاع على الآراء الفقهية المختلفة، يتضح أن هناك تباينا في المواقف بشأن هذه القضية، مما يجعلها من المواضيع التي تحتاج إلى مزيد من الفهم والبحث.
المذهب الحنفي والمالكي: لا قضاء بعد الوفاة
في البداية، يرى الفقهاء في المذهب الحنفي والمذهب المالكي أن الشخص الذي توفي وعليه قضاء أيام من رمضان لا يُطلب منه أداء هذا القضاء بعد وفاته. ووفقًا لهذا الرأي، يعتبر أن الصيام كان واجبًا على الشخص في حياته، وعليه، فإن الموت يُسقط عنه هذا الواجب، ولا يمكن أداء القضاء نيابة عنه. ويستند الفقهاء في هذا الرأي إلى أن الصيام كدين في ذمة الشخص، ولا يمكن للآخرين الوفاء به بعد الوفاة.
ووفقًا لما ذكره الفقهاء في المذهبين، فإن الشخص الذي لم يتمكن من قضاء صيامه في حياته، بسبب عذر شرعي كمرض أو سفر، لا يُحمل من بعد وفاته بأي التزام بقضاء تلك الأيام. وبناءً على ذلك، يطمئن الأقارب أن الصيام لا يكون واجبًا عليهم نيابة عن المتوفى.
المذهب الشافعي والحنبلي: وجوب القضاء من قبل الأقارب
في المقابل، يرى الفقهاء في المذهب الشافعي والمذهب الحنبلي أن أقارب المتوفى يجب عليهم القضاء عنه إذا كان عليه صيام أيام من رمضان ولم يتمكن من قضائها قبل وفاته. ويستند هؤلاء إلى الحديث الشريف: “من مات وعليه صيام صام عنه وليه”، حيث يعتبر أن القضاء عن الميت من الأمور الواجبة على الأقارب أو أولياء الأمور. بناءً على هذا الرأي، يتحمل أقارب المتوفى مسؤولية أداء صيام الأيام التي عليه، إما مباشرة أو من خلال تخصيص مال للقضاء عنها.
ويُظهر هذا الرأي في المقابل كيف أن الفقهاء في هذين المذهبين يفضلون التكافل الاجتماعي والديني بين أفراد الأسرة، بحيث يتحمل الأقارب مسؤولية صيام رمضان عن المتوفى وفقًا للقدرة والنية.
الوصية والقضاء عن الميت
من جهة أخرى، إذا كان المتوفى قد ترك وصية تشير إلى ضرورة قضاء أيام رمضان التي عليه، فحينها يجب على أوليائه أو أقاربه تنفيذ الوصية. ويشمل ذلك إما أداء الصيام عن المتوفى أو دفع مال يعادل تكاليف الصيام عنه، بحسب ما يتم تحديده في الوصية. وتعتبر هذه الوصية جزءًا من حقوق المتوفى التي يجب الوفاء بها، وهو أمر يؤكد أهمية العناية بمسائل الحقوق الدينية في الحياة وبعد الوفاة.