00 أيام
00 ساعات
00 دقائق
00 ثواني

🎉 افتتاح المتحف الكبير ! 🎉

عاجل

العلم لا يُبنى بالخصومة.. علي جمعة يحذر من فقهاء الشاشات ومتصدرين بلا علم

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة

أكد الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية الأسبق، أن العالمَ الإسلاميَّ في السنوات الأخيرة ابتُلي بفتنٍ متتابعةٍ «كقطع الليل المظلم»، كان الغلوُّ والتفسيرُ الناقصُ للنصوص الشرعية من أبرز أسبابها، مشيرًا إلى أن استسهالَ بعضِ الناس اتهامَ المسلمين بالبدعة والكفر والجهل في قضايا خلافيةٍ هو مسلكٌ خطيرٌ يخالف منهجَ الإسلام وأخلاقَ علمائه عبر التاريخ.

الاختلاف المحمود

وأوضح في منشور على صفحته على فيسبوك أن الاختلافَ المحمودَ هو سرُّ بقاء الإسلام وخلودِه، وأن الأمةَ الإسلاميةَ قامت حضارتُها على هذا الاختلاف الراشد الذي مثّلَ سِمةً مميِّزةً للعقل المسلم منذ بزوغ فجر الحضارة الإسلامية، لافتًا إلى أن الخطر الحقيقي يكمن في غياب آداب الحوار وضوابط الخلاف التي تَكفلُ سلامةَ القصد، وتحولُ دون الانزلاق في مهاوي الغلوِّ أو التبديعِ والتكفيرِ بغير علم.

وأضاف الدكتور علي جمعة أن «داءَ هذه الفتن هو غيابُ الأدبِ في الخلاف، والتصدّرُ للحديث في دين الله بلا علمٍ ولا إنصافٍ»، مؤكدًا أن الشيطانَ لا يزالُ يُغري الناسَ بالعداوةِ والبغضاءِ باسم الغيرةِ على الدين، مستشهدًا بقوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}.

قواعد أدب الحوار

وبيَّن أن القرآنَ الكريم والسنةَ النبويةَ وضعا قواعدَ رفيعةً لأدب الحوار، فالمجادلةُ بالحسنى والدفعُ بالتي هي أحسنُ سبيلٌ لِلُقيا القلوبِ وتقويمِ الخطأ، مستشهدًا بقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.

وأضاف أن رسول الله ﷺ لم يكن سبّابًا ولا فاحشًا ولا لعّانًا، وأن علماء الأمةِ من بعده ساروا على هذا النهج؛ فالإمام الذهبيُّ –على سبيل المثال– أثنى على تقيِّ الدين السبكيِّ رغم اختلافِ المذهب بينهما، كما أن الخلاف بين ابن تيمية وتلامذته لم يخرج عن دائرة الأدب والعلم.

وأكد الدكتور علي جمعة أن الأصلَ في المسلمين حُسنُ الظنِّ والعدالة، وأنه لا يجوز التسرع في تخطئة العلماء أو اتهام نياتهم، بل الواجبُ حملُ أقوالهم على أحسن المحامل ما دام لذلك وجهٌ معتبر، فالعلماء يتحدثون من منطلقاتٍ شرعيةٍ واجتهادٍ مأجور، حتى وإن خالف بعضُهم بعضًا في النتائج.

وأشار إلى أن علماءَ الحديثِ والفقهِ ضربوا المثلَ الأسمى في الخُلُقِ والمنهج؛ فلم يكن أحدهم يطعنُ في عرضِ مخالفه، ولا يصفُه بالسوء خارج نطاق النقد العلمي الضروري، بل كان السمتُ العامُّ بينهم الأدبَ الجمَّ وبسطَ الوجهِ والتماسَ العذرِ للجاهل، لأن هدفهم الأول كان حفظَ الدين لا الانتصارَ للهوى أو الذات.

واستشهد بما قاله الحافظ ابن رجب الحنبلي: «لمّا كثر اختلاف الناس في مسائل الدين، وكثر تفرّقهم، كثر تباغضهم وتلاعُنهم، وكلٌّ منهم يظن أنّه يُبغض لله». موضحًا أن الخطر لا يكمن في وجود الخلاف ذاته، بل في الانتصار للمذهب أو المتبوع بدافع العصبية، لا حبًّا في الوصول إلى الحق.

وختم الدكتور علي جمعة بالتأكيد على أن الهوى لم يكن دافعًا لخلاف الصحابة أو الأئمة، بل كان قصدُهم جميعًا تحرّي الحقّ وخدمةَ الدين، وأن أخوّةَ الإسلام يجب أن تظلَّ فوق كل خلافٍ أو وفاقٍ في المسائل الاجتهادية، فهي الأساسُ الذي يقوم عليه بناءُ الأمة ووحدتُها، مؤكدًا أن من تمام العلم أن يُحسِن الإنسانُ أدبَ الاختلاف كما يُحسِنُ عرضَ الدليل.

تم نسخ الرابط