متى يمكن للولايات المتحدة أن تزرع علمها على سطح المريخ؟

لطالما كان المريخ، الكوكب الرابع من الشمس، وجهة رائعة، تشغل عقول العلماء وصناع الأفلام والقادة السياسيين على حد سواء.
مع تاريخه العريق وتناقضه الصارخ مع الأرض، يمثل المريخ حدودًا علمية وتحديًا طموحًا. لكن السؤال يبقى: متى يمكن للبشر أن تصل لسطح المريخ؟
الوعود الرئاسية واستكشاف المريخ
وفقا لتقرير "صنداي تايمز"، كانت فكرة إرسال رواد فضاء أمريكيين إلى المريخ جزءًا ثابتًا من الخطاب الرئاسي لعقود من الزمان.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تلك الطموحات، في خطاب تنصيبه في 20 يناير الجاري، متعهدًا بأن أمريكا ستزرع علمها على المريخ يومًا ما.
والجدير بالذكر أن هذا الوعد "الترامبي" ليس جديداً، فمنذ ستينيات القرن العشرين، عبر رؤساء الولايات المتحدة عن رؤى مماثلة. ففي عام 1965، تحدث ليندون جونسون عن "مصير" أمريكا في الوصول إلى المريخ كجزء من سباق الفضاء في الحرب الباردة.
ومؤخراً، تصور الرئيس جورج دبليو بوش استكشاف المريخ في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كجزء من رؤيته لاستكشاف الفضاء، بينما أعاد الرئيس باراك أوباما توجيه التركيز إلى مسار قمري، وبلغت ذروتها في توجيه سياسة الفضاء لعام 2010.
واليوم، وتحت إشراف برنامج "أرتميس"، تمتلك وكالة ناسا خريطة طريق أكثر تحديداً - تركز أولاً على إعادة رواد الفضاء إلى القمر بحلول عام 2027، قبل المضي قدماً نحو المريخ. ولكن السؤال يبقى: ما مدى واقعية هذه الأهداف؟
التحديات التي تواجه الوصول إلى المريخ
إن رؤية إرسال البشر إلى المريخ هي رؤية مغرية، ولكنها تظل محفوفة بالعقبات.
وفي السياق، تقول المحللة الفضائية لورا فورزيك من شركة أستراليتيكال: "لقد عملنا على تطوير التقنيات منذ ستينيات القرن العشرين، ولكن ما لا نملكه هو الميزانية - وهذا ما يعيقنا".
وفي حين تم إحراز تقدم، تزعم فورزيك أن مهمة بشرية إلى المريخ في ظل إدارة ترامب الحالية غير مرجحة. ومع ذلك، فهي ترى أن الطريق إلى الأمام هو طريق التحضير غير المسبوق، مع اتخاذ الخطوات اللازمة الآن.
إن تكلفة استكشاف المريخ فلكية. وقد حدد إيلون ماسك، الذي برز في صناعة الفضاء التجارية مع سبيس إكس، رؤية طموحة للمريخ. وتشمل خططه تطوير صاروخ ضخم قادر على حمل مئات الأشخاص إلى الكوكب الأحمر.
ومع ذلك، فقد اعترف ماسك نفسه بأن مثل هذا المشروع قد يكلف عشرات، إن لم يكن مئات، المليارات من الدولارات - وهو تحد مالي هائل، حتى مع دعم المستثمرين من القطاع الخاص مثل ماسك وجيف بيزوس.
ولكن هدف ماسك بإرسال نسخ غير مأهولة من مركبته الفضائية إلى المريخ في غضون عامين ــ وربما بعثات مأهولة في غضون أربع إلى ست سنوات ــ قوبل بالتشكك. فقد أظهرت التأخيرات الأخيرة في تطوير صاروخ "ستارشيب" التابع لشركة سبيس إكس أن السفر إلى الفضاء بعيد كل البعد عن أن يكون متوقعا.
وقبل أسابيع فقط، انتهت الرحلة التجريبية السابعة لمركبة ستارشيب التي أطلقتها "سبيس إكس" بفشل مذهل، وهو ما يسلط الضوء على المخاطر الكامنة في استكشاف الفضاء.
مخاطر بعثات المريخ
في الواقع، الطريق إلى المريخ محفوف بالمخاطر. فقد اعترف ماسك نفسه بأن "الناس سوف يموتون في أول مهمة إلى المريخ"، مستشهدا بالمخاطر الجسيمة التي يفرضها الإشعاع، وفشل المعدات، والبيئة المريخية القاسية.
وتابع أنه مع درجات حرارة المريخ ومستويات إشعاعيته الشديدة قد تكون قاتلة لرواد الفضاء غير المحميين.
ولكن هذه المخاطر لم تردع أولئك الذين يحلمون بالتوسع البشري في الفضاء.
فمن جانبه، أعرب جاريد إسحاقمان، رائد الفضاء الخاص والزعيم المحتمل لوكالة ناسا في ظل إدارة ترامب، عن اعتقاده بأن إرسال البشر إلى المريخ من شأنه أن يوحد الأمة.
علي النقيض، قال كيسي دراير، كبير مستشاري سياسة الفضاء في الجمعية الكوكبية: "الأمر يتعلق بأكثر من مجرد إطلاق الصواريخ. المريخ أصعب بمليون مرة من القمر".
وتابع دراير أن العقبات الفنية هائلة، مشيرا إلى أن رواد الفضاء سيحتاجون إلى إمدادات مستدامة من الغذاء والمياه، ومصادر الطاقة، والموائل التي يمكنها تحمل الظروف القاسية على المريخ.
وأشار إلي أن الرحلة نفسها ستستغرق من ستة إلى تسعة أشهر في كل اتجاه، متابعا "لا توجد تقنية حالية لدعم بقاء البشر على سطح المريخ على المدى الطويل".
يلاحظ دراير أيضًا أن هناك "عواقب نفسية" ومخاطر صحية مرتبطة بمثل هذه المهمة المطولة، ناهيك عن تحديات العودة بأمان إلى الأرض.
التحديات السياسية والمالية
بالإضافة إلى كبر التحديات الفنية والجسدية لاستكشاف المريخ، إلا أن هناك أيضًا عقبات سياسية ومالية كبيرة، فبالرغم من أن "ناسا" وكالة غير حزبية، لكن ميزانيتها تحددها المناخ السياسي في واشنطن.
فمن الممكن أن يكون للتوافق بين ماسك والرئيس ترامب (كلاهما من المؤيدين الصريحين لاستكشاف الفضاء)، تأثير كبير على اتجاه سياسة الفضاء الأمريكية. ومع ذلك، فإن مستقبل استكشاف المريخ سيعتمد على أكثر من مجرد الإرادة السياسية؛ حيث سيتطلب دعمًا واسع النطاق من الحزبين لتأمين التمويل اللازم.