هل يشترط حدوث رؤيا بعد صلاة الاستخارة؟.. دار الإفتاء توضح

تعد صلاة الاستخارة من العبادات التي يلجأ إليها المسلمون عند مواجهة الحيرة في اتخاذ القرارات المهمة، سواء في الزواج أو العمل أو غيرهما من الأمور الحياتية. ومع ذلك، يثار جدل حول ارتباط الاستخارة بظهور رؤى أو أحلام ترشد الإنسان إلى القرار الصحيح، فهل الرؤيا شرط أساسي بعد الاستخارة؟ أم أن الأمر يعتمد على تيسير الأمور وتعقيدها دون الحاجة إلى إشارات في المنام؟
الاستخارة: مفهومها وحقيقتها
الاستخارة في الإسلام تعني طلب الخير من الله في الأمور التي يحتار فيها الإنسان، وهي سُنّة نبوية أوصى بها الرسول ﷺ في حديثه المشهور:
“إذا همّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علاّم الغيوب…” (رواه البخاري).
ويُفهم من الحديث أن الاستخارة تقوم على الصلاة والدعاء، دون أي إشارة إلى ضرورة ظهور رؤيا أو حلم بعد ذلك.
هل الرؤيا شرط لقبول الاستخارة؟
يعتقد بعض الناس أن الاستخارة يجب أن تتبعها رؤيا واضحة في المنام تحدد لهم القرار الصائب، وهو اعتقاد منتشر في الموروث الشعبي، لكنه ليس له أصل شرعي. فالفقهاء يؤكدون أن نتيجة الاستخارة تظهر من خلال الواقع وليس عبر الأحلام، أي أن الإنسان سيشعر بانشراح صدره تجاه الأمر إذا كان خيرًا، أو سيواجه تعقيدات ونفورًا إذا كان الأمر غير مناسبا له.
ويشير العلماء إلى أن التمسك بفكرة انتظار الرؤيا قد يؤدي إلى تعطيل اتخاذ القرارات، خصوصًا إذا لم يرَ الشخص أي شيء في منامه بعد الاستخارة، مما قد يسبب له التردد والحيرة بدلًا من التوكل على الله والمضي في الأمر بناءً على المعطيات الواقعية.
دور الأحلام في توجيه الإنسان
من المعروف أن الأحلام قد تحمل أحيانًا إشارات روحية، لكنها ليست بالضرورة طريقة موثوقة لاتخاذ القرارات. فالنفس البشرية تتأثر بالضغوط والتفكير المستمر، مما قد يجعل الشخص يحلم بأشياء تعكس مشاعره الداخلية أكثر مما تعكس رسالة إلهية.
وبحسب العلماء، فإن الرؤى الصادقة لها شروط محددة، فهي تكون واضحة وغير مرتبكة، ولا تتأثر بالمشاعر أو الرغبات الشخصية. ومع ذلك، فإن ظهور رؤيا بعد الاستخارة لا يعني بالضرورة أنها الإجابة الحتمية، لأن الحكم الأساسي يكون من خلال سير الأمور وتطورها في الواقع.
كيف يعرف الإنسان نتيجة الاستخارة؟
ينصح العلماء المستخير بعدم التسرع في انتظار إشارات معينة بعد الدعاء، بل يجب عليه مراقبة الأحداث التي تلي الاستخارة. فإذا كان الأمر ميسرًا وشعر براحة داخلية تجاهه، فهذا قد يكون علامة على الخير، أما إذا واجه عقبات وصعوبات، فقد يكون ذلك إشارة إلى أن الأفضل الابتعاد عنه.
كما يُفضل تكرار الاستخارة إذا استمر الشعور بالحيرة، إلى جانب استشارة أهل الخبرة والعقل، لأن الاستخارة لا تلغي أهمية التفكير العقلاني والاستشارة
دعاء الاستخارة كما ورد في السنة النبوية:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ يُعلِّمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يُعلِّمنا السورة من القرآن، يقول:
“إذا همَّ أحدُكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (ويُسمِّي حاجته) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (ويُسمِّي حاجته) شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي.