عاجل

في فيلم "The Man from U.N.C.L.E" الذي قدمه النجمان أرمي هامر وهنري كافيل عام 2015، شاهدنا معركة من آلاف المعارك الجاسوسية التي دارت رحاها بعد الحرب العالمية الثانية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي قبل تفكيك الأخير، وقتها كانت كل دولة تضحي بخيرة رجالها في رهان إما تكسب به معلومات قيمة وتثبت أنها الأجدر أو تخسره بكشف الجواسيس وإعدامهم في أغلب الأحيان، وهكذا لم يكن هناك خيار ثالث.

لكن بعد أكثر من ثلاثة عقود على انتهاء الحرب الباردة رسميًا، يبدو أنها قد تعود مرة أخرى لكن تلك المرة بين ضلع ثابت هو الولايات المتحدة الأمريكية وقوة جديدة هي الصين، ومن الواضح أيضًا أن الحرب ستدور بشكلها الكلاسيكي رغم كل أدوات التقدم الحاصلة، ففي النهاية لجأت كل دولة إلى رجالها بل وأحدهما منعت رجالها من السفر أساسًا.

نعم هذا ما حدث خلال الأسابيع الماضية حين كشفت تقارير صحفية بعضها منشور في جريدة "وول ستريت جورنال" أن السلطات الصينية أصدرت تعليماتها لكبار رواد الأعمال والباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي بتجنب زيارة الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك خوفًا من أن يكشف هؤلاء الخبراء الصينيين معلومات سرية عن تقدم البلاد، أو أن يتم احتجازهم واستخدامهم كأداة مساومة في المفاوضات بين البلدين.

تفاصيل التقارير كشفت أيضًا أن الحظر شمل قيادات أكبر مراكز التكنولوجيا في الصين مثل شنغهاي وتشجيانغ التي يوجد فيها مقر شركات مثل "علي بابا" و "ديب سيك"، بالإضافة إلى قيادات الشركات المحلية المتعلقة ببعض الصناعات الحساسة استراتيجيا مثل الروبوتات والرقائق الإلكترونية، وبموجب هذا الحظر بات على القيادات التي تود السفر الإبلاغ أولًا عن خططهم قبل المغادرة وماذا سيفعلون في أمريكا، كذلك الإبلاغ بمجرد العودة وإطلاع السلطات على كل ما فعلوه ومن التقوا بهم كما تملك السلطات الصينية حق منعهم من السفر في حال تعارض ذلك مع متطلبات الأمن القومي الصيني.

ونتيجة لتلك التعليمات الجديدة ألغى مؤسس شركة ناشئة صينية كبرى في مجال الذكاء الاصطناعي خطته لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، كما رفض ليانج وينفينج مؤسس شركة "ديب سيك" دعوة حضور قمة الذكاء الاصطناعي التي عقدت في باريس فبراير الماضي ليكون أول تطبيق لتعليمات بكين على أرض الواقع. 

تصرف الصين لم يكن من باب الفراغ، بل يمكن وصفه بأنه إجراء استباقي، ففي الفترة الأولى من رئاسة دونالد ترامب تم احتجاز مسئول تنفيذي من شركة هواوي في كندا بناء على طلب واشنطن، ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى بعد فوزه بالرئاسة يناير الماضي، تجددت تلك المخاوف إذ أن في عصر الدبلوماسية المباشرة التي يتبعها ترامب وظهرت جليًا أثناء لقاؤه مع  نظيره الاوكراني زيلينسكي لا يمكن لأحد أن يتوقع أو يأمن عواقب أي خلاف في الوقت الجاري، وهذا ما أكدته الصين في تعليماتها غير المنشورة أو المكتوبة حتى تلك اللحظة.

الأزمة الحقيقية أن تحركات الصين الاستباقية تلقتها واشنطن وخاصة دونالد ترامب بكثير من الجدية، إذ أن ذلك يعني ان ساحة القتال التكنولوجية بين البلدين قد اشتعلت بعد أن بدأت ساخنة في بداية العام الجاري من خلال إعلان ترامب ان العدو التقليدي هو الصين وأنه سيفرض رسوم تجارية تجعل بكين غير قادرة على التنفس في مجال التكنولوجيا، وصاحب ذلك تحرك شركات مثل "OpenAI" و" Google" التي باتت تضغط على بكين بشكل متزايد من خلال رواد الأعمال في تلك المجالات بالتحديد، أملًا في إحداث شقاق بين رواد الاعمال والصين ما يصب في النهاية في مصلحة أمريكا.

والآن لم تعد مجرد حرب فقط، بل صار هناك جواسيس لكنهم جواسيس بزي جديد وحسب ما تتطلب مقتضيات العصر، وقد بدا من التحرك الصيني أن بكين قررت أن لا تقف مكتوفة الأيدي فيما ينتظر العالم كله رد ترامب على تلك التحركات وهل سيزرع جواسيس أمريكية في قلب الصين استعدادًا لأي طارئ ليعيد بذلك الحرب الباردة في أوضح صورة.

تم نسخ الرابط