محمد الطماوي: مصر أصبحت صانعة للتوازنات الإقليمية في المنطقة
قال الدكتور محمد الطماوي، الباحث في العلاقات الدولية، إنه يمكن النظر إلى الدور المتصاعد لمصر في وساطات الإقليم، سواء في غزة أو السودان أو ليبيا، باعتباره امتدادا طبيعيا لدورها التاريخي كقوة توازن واستقرار في المنطقة، فقد أعادت القاهرة خلال السنوات الأخيرة صياغة حضورها الإقليمي والدولي، عبر سياسة خارجية أكثر فاعلية تقوم على المبادرة لا الانتظار، وعلى بناء الجسور مع الأطراف كافة، بما يخدم أمنها القومي ويعزز مكانتها كوسيط موثوق ومحوري.
لا يمكن تجاوز دور مصر في مفاوضات وقف إطلاق النار
وأضاف الطماوي، في تصريحات خاصة لـ "نيوز رووم"، أن دور مصر برزت كوسيط رئيسي في إنهاء حرب غزة، حيث لا يمكن تجاوز دور مصر في أي مفاوضات تتعلق بوقف إطلاق النار أو تسوية الصراع، فهي الدولة الوحيدة التي تمتلك علاقات متوازنة مع جميع الأطراف: الفصائل الفلسطينية، وإسرائيل، والقوى الإقليمية والدولية المعنية بالملف، ولعبت القاهرة دورا محوريا في وقف إطلاق النار والحرب، وتنسيق دخول المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، والإشراف على ترتيبات إعادة الإعمار، بما جعلها تتحرك في وقت واحد على المسارات السياسية والأمنية والإنسانية، كما تظل مصر تؤكد أن أي تهدئة لن تكون دائمة دون أفق سياسي واضح يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
دور مصر في السودان
وعن دور مصر في السودان أوضح الباحث في العلاقات الدولية أن القاهرة تعاملت مع الأزمة باعتبارها قضية أمن قومي مصري بالدرجة الأولى، نظرًا لطول الحدود المشتركة وتداخل المصالح الحيوية بين البلدين، ومنذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع دعت مصر إلى الحوار المباشر بين الطرفين، ورفضت محاولات تدويل الأزمة أو فرض حلول خارجية، مؤكدة أن الحل يجب أن يكون إفريقيا – إفريقيا ينبع من داخل السودان نفسه، كما قدمت دعما إنسانيا واسعا من خلال استقبال اللاجئين، وإرسال المساعدات الغذائية والطبية، مما عزز صورتها كقوة شقيقة تتحرك من منطلق المسؤولية وليس المصالح الضيقة.
دور مصر في دعم وحدة ليبيا
وأكد الطماوي لعبت مصر أيضا دورا حاسما في دعم وحدة الدولة ومؤسساتها الوطنية، منذ بداية الأزمة وحتى اليوم، فقد وقفت القاهرة ضد التدخلات الخارجية ومحاولات تقسيم البلاد، وسعت إلى توحيد المؤسسة العسكرية الليبية باعتبارها الضمانة الأساسية للاستقرار، كما استضافت اجتماعات متعددة بين مجلسي النواب والدولة بهدف الوصول إلى قاعدة دستورية تمهد لإجراء انتخابات شاملة، ولم يكن هذا الدور سياسيا فقط، بل أيضا أمنيا، إذ حرصت مصر على تأمين حدودها الغربية من خطر الميليشيات والمرتزقة والإرهاب، إدراكا منها أن استقرار ليبيا جزء لا يتجزأ من استقرارها الداخلي.
وكشف أن الدور المصري يتميز في هذه الملفات بـ 3 سمات رئيسية: الحياد الإيجابي الذي يجعلها مقبولة من جميع الأطراف، والاعتماد على الحلول السياسية لا العسكرية، والربط بين البعد الإنساني والأمني والدبلوماسي، فالقاهرة لا تتعامل مع الأزمات كقضايا منفصلة، بل تنظر إليها من منظور شامل يوازن بين مصالح الشعوب واستقرار الدول وحماية الأمن القومي المصري.
وتابع أن صعود هذا الدور يعكس عودة مصر إلى موقعها الطبيعي كقوة مركزية في النظام الإقليمي العربي والإفريقي، فالقاهرة لم تعد فقط وسيطا في الأزمات، بل أصبحت صانعة للتوازنات الإقليمية، تجمع على طاولتها الخصوم قبل الحلفاء، وتعمل على تحقيق الاستقرار في منطقة تموج بالصراعات، لقد أعادت مصر ترسيخ معادلة واضحة مفادها أن أمن المنطقة يمر عبر القاهرة، وأن الحلول المستدامة لا يمكن أن تبنى دون مشاركة مصرية فعالة تقودها رؤية تقوم على الواقعية السياسية والمسؤولية الإقليمية.