غزة بين التكنوقراط والتوافق الوطني.. القاهرة ترسم ملامح مرحلة ما بعد الانقسام
في لحظة دقيقة تتقاطع فيها السياسة بالأمن، تبدو القاهرة في موقع "الراعي الحذر" لمسار فلسطيني جديد يسعى لتشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة غزة.
فبينما تواصل الفصائل مشاوراتها وسط إشادة بدور مصر، تتقدم فكرة الإدارة المستقلة كمدخل لتثبيت التهدئة وتهيئة الأرضية لأي تسوية قادمة، في ظل انتظار دولي لما ستسفر عنه حالة التوافق الفلسطيني – المصري التي تقترب من اختبارها الأصعب.
حكومة تكنوقراط في غزة يتم بتوافق فلسطيني وبرعاية مصرية كاملة
من جهته، قال الدكتور طارق البرديسي، المحلل السياسي، إن قرار تشكيل الحكومة الجديدة لإدارة قطاع غزة هو قرار فلسطيني خالص، جاء ثمرة لاجتماعات الفصائل الفلسطينية التي استضافتها القاهرة خلال الأيام الماضية، مشيرًا إلى أن الدولة المصرية لعبت دورًا محوريًا في جمع الفصائل وتوفير المناخ الملائم للتوافق الوطني.
وأوضح "البرديسي" في تصريح خاص لـ"نيوز رووم"، أن البيان الصادر عن الفصائل مؤخرًا أكد بوضوح أن الحكومة المقبلة ستكون حكومة تكنوقراط مستقلة وغير حزبية، تُكلف بإدارة شؤون القطاع خلال المرحلة الانتقالية، تحت رعاية الدولة المصرية ومتابعة أجهزتها المختصة، مؤكدًا أن هذا التوجه يحظى بترحيب محلي وإقليمي ودولي.
وأضاف أن تشكيل لجنة من الكفاءات الوطنية المتخصصة (التكنوقراط) لإدارة غزة يمثل خطوة مهمة نحو توحيد الصف الفلسطيني وتحقيق الاستقرار في المرحلة المقبلة، مشددًا على أن دور القاهرة لا يقتصر على الوساطة فقط، بل يمتد إلى ضمان تنفيذ الاتفاق ومتابعة كل إجراءاته ومراحله بما يكفل نجاحه واستمراريته.
وأشار البرديسي إلى أن المجتمع الدولي يترقب ولادة هذه الحكومة المستقلة، ويدعم الجهود المصرية في هذا الاتجاه، مؤكدًا أن التوافق الفلسطيني – المصري يشكل حجر الأساس لأي تسوية سياسية قادمة تضمن وحدة الأراضي الفلسطينية وإدارة شؤونها بعيدًا عن الانقسام الحزبي.
المرحلة المقبلة
فيما قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن الاتصالات بين الفصائل الفلسطينية شهدت خلال الأيام الماضية تقدمًا جزئيًا فيما يتعلق بتحديد الأسماء المقترحة لإدارة قطاع غزة في المرحلة الانتقالية القادمة، مشيرًا إلى أن قائمة أولية تضم نحو 15 اسمًا تم التوافق عليها مبدئيًا بين عدد من الفصائل، على أن تُسلم هذه القائمة إلى القيادة المصرية لمراجعتها في إطار الجهود الرامية لتشكيل إدارة انتقالية للقطاع.
وأوضح "الرقب" في تصريح خاص لـ"نيوز رووم"، أن حركة "فتح" لم تشارك في الاجتماع الأخير الذي عُقد قبل يومين، ما جعل المشاورات غير مكتملة التوافق حتى الآن، لافتًا إلى أنه من المقرر عقد اجتماع موسع للفصائل في مطلع الشهر المقبل لاستكمال النقاش والوصول إلى صيغة شاملة تضمن مشاركة جميع القوى الفلسطينية في إدارة المرحلة المقبلة.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن دور القاهرة في هذه المرحلة محوري، كونها تتولى التنسيق بين الفصائل والوسطاء الدوليين، إلى جانب نقل التصورات النهائية إلى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، مشيرًا إلى أن الجانبين الأمريكي والإسرائيلي قد يمارسان دور “الفيتو” على بعض الأسماء المقترحة، دون أن يكون لهما الحق في تسمية بدائل.
وأكد أن المرحلة الحالية بالغة الحساسية، وأن الوسطاء يحاولون قدر المستطاع التعامل بحذر مع كافة الأطراف بما لا يعرقل الجهود القائمة لوقف الحرب، في ظل حديث متزايد عن ترتيبات أمنية وانتقالية قد تشمل إشرافًا دوليًا أو وجود قوة مراقبة في بعض مناطق القطاع، ضمن ما يُعرف بـ"لجنة الطوق" أو قوات أمنية انتقالية.
وأكد على أن الملف لا يقتصر على توافق الفصائل فقط، بل يخضع لحسابات إقليمية ودولية معقدة، مشددًا على ضرورة أن يكون القرار الفلسطيني مستقلًا ومتوازنًا، حفاظًا على وحدة الموقف الوطني وضمانًا لإدارة المرحلة القادمة بما يخدم مصلحة الشعب الفلسطيني.
وأوضح الدكتور أيمن الرقب، أن تشكيل اللجنة أو الحكومة الانتقالية في غزة لن يتم بقرار منفرد، بل عبر مشاورات بين مختلف الفصائل الفلسطينية، ليُعتمد لاحقًا من الرئيس محمود عباس أبو مازن، مؤكدًا أن الشرعية السياسية لأي تشكيل قادم لا يمكن أن تكتمل دون مشاركة حركة "فتح".
وأكد الرقب أن الرئيس محمود عباس لا يستطيع اعتماد أو إعلان هذه اللجنة بشكل منفرد، لأن نجاحها في إدارة غزة مرتبط بالتفاهم مع الفصائل كافة، مشددًا على أن التوافق الداخلي هو الضمانة الوحيدة لتمكين اللجنة من أداء مهامها على الأرض دون عوائق.