عاجل

تعد الوظيفة العامة في أي دولة أحد الأركان الأساسية لبناء الجهاز الإداري القادر على تنفيذ السياسات العامة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة وفي السياق المصري أصبحت الحاجة إلى إعادة هندسة الوظيفة العامة أمرًا ضروريًا لمواجهة التحديات المعاصرة المتعلقة بضعف الأداء البيروقراطي وتضخم الهياكل الإدارية وغياب الفعالية والمرونة في تقديم الخدمات العامة ومع اتجاه الدولة إلى التحول الرقمي وتبني منظومات الإدارة الذكية أصبح من الضروري إعادة النظر في فلسفة الوظيفة العامة من حيث تنظيمها وآليات شغلها ومتطلبات ممارستها بما يحقق الكفاءة والشفافية دون الإخلال بالمبادئ الدستورية الراسخة وعلى رأسها مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص إذ أن أي تطوير إداري لا يقوم على الإنصاف والعدالة في التعيين والترقية والتقييم سيكرس الفساد والمحسوبية ولن يحقق الأهداف المرجوة من الإصلاح الإداري وتقوم إعادة هندسة الوظيفة العامة على عدد من المحاور أهمها التحول من مفهوم الوظيفة الدائمة التقليدية إلى مفهوم الكفاءة والانتاج وتوسيع نطاق التعاقدات والوظائف المؤقتة والمهمات المحددة وربط الحوافز بالأداء لا بالأقدمية وهو ما يتطلب تعديلًا في القوانين واللوائح المنظمة لشغل الوظائف العامة وفي مقدمتها قانون الخدمة المدنية الذي يجب أن يتسع لفئات جديدة من الوظائف الرقمية والمهنية المتخصصة كما يجب أن يعزز مبادئ الشفافية في إجراءات التعيين والترقية من خلال اعتماد آليات تنافسية إلكترونية تضمن المساواة التامة بين المتقدمين بعيدًا عن الاعتبارات الشخصية أو التدخلات غير المشروعة وفي هذا السياق تبرز الحاجة إلى إيجاد توازن دقيق بين متطلبات التطوير الإداري وحق المواطن في النفاذ العادل إلى الوظائف العامة حيث أن إعادة هندسة الوظيفة لا يجب أن تكون غطاء لتقليص فرص التعيين أو حصرها في فئات بعينها بل يجب أن تضمن تنوع الخلفيات والكفاءات بما يخدم الصالح العام ويرسخ مفهوم الجدارة لا الولاء كما أن مراعاة مبدأ تكافؤ الفرص يتطلب أيضًا تأمين آليات تقييم موضوعية للأداء تضمن العدالة بين الموظفين وتقلل من تأثير التحيزات الفردية أو الهيكلية في بيئة العمل ولا يمكن تجاهل أهمية بناء ثقافة مؤسسية جديدة تقوم على الاستحقاق والكفاءة والمساءلة وتعزز من روح المبادرة والابتكار لدى العاملين بالجهاز الإداري بعيدًا عن الجمود الذي طالما ميّز نمط العمل الحكومي التقليدي كما أن عملية إعادة الهندسة يجب أن تترافق مع برامج تدريب وتأهيل متقدمة تستهدف رفع كفاءة العنصر البشري وتمكينه من أدوات العمل الرقمي والتحليلي الذي بات شرطًا أساسيًا لأي إدارة عصرية وفي المقابل يجب وضع ضمانات قانونية لحماية الموظفين من التعسف أو الإقصاء غير المبرر ضمن هذه العملية بما يضمن احترام حقوقهم ومكتسباتهم الدستورية.
إن إعادة هندسة الوظيفة العامة في مصر تمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء الجهاز الإداري على أسس حديثة وفعالة لكن نجاحها مرهون بمدى التزام الدولة بمبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وعدم التضحية بالحقوق تحت شعار التطوير الإداري بل جعل هذا التطوير وسيلة لتعزيز الحقوق وتحقيق الكفاءة معًا

تم نسخ الرابط