عاجل

ما حكم صلاة الجمعة لمَن أدرك الإمام في التشهد.. وهل يجب القضاء؟

الجمعة
الجمعة

أكدت دار الإفتاء أن التبكير إلى الجمعة فضله عظيم، ومَن لم يدرك الجمعة وجب عليه أن يصلِّيها ظهرًا أربع ركعاتٍ باتفاق الفقهاء، وأقل ما يتحقق به إدراكها مختلفٌ فيه، فالجمهور على أنه لا يكون مدركًا للجمعة إلا بإدراك ركعةٍ منها، والإمام أبو حنيفة وأبو يوسف ذهبا إلى تحقق إدراك الجمعة بإدراك أدنى جزء منها مع الإمام؛ كالتشهد أو سجود السهو.
وإتمام الرجلِ المذكور الجمعة ركعتين مع كونه لم يُدرك مع الإمام فيها سوى السجدتين والتشهد -موافقٌ لمذهبِ الحنفيةِ، وصلاته على هذا النحو صحيحةٌ شرعًا، مع التأكيد على أنَّ الأَولَى للمصلِّي في مثل هذه الحالة أن يُتمَّ الصلاةَ أربعَ ركعاتٍ؛ خروجًا مِن خلاف جمهور الفقهاءِ، واحتياطًا في العبادة.

فضل التبكير لحضور صلاة الجمعة


صلاة الجمعة فريضة عظيمة، أمر الله سبحانه عباده بتقديم السعي والحضور إليها على كل عمل؛ فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
وقد حثنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على التبكير إليها لننال عظيم الأجر في الآخرة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر» متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة وغسل، وبكر وابتكر، ودنا واستمع وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها» أخرجه الإمام الترمذي في سننه من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه.

التحذير من تأخير الحضور إلى الجمعة


كما حذر من تأخير الحضور إلى الجمعة، وكذا من التخلف عنها بغير عذر؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة»، إلى أن قال: «فمن استغنى بلهو أو تجارة استغنى الله عنه، والله غني حميد» أخرجه الإمامان الدارقطني والبيهقي في السنن.
وعن أبي الجعد الضمري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من ترك ثلاث جمع تهاونًا بها طبع الله على قلبه» أخرجه الأئمة أبو داود والدارمي في السنن، وابن خزيمة وابن حبان في الصحيح، والحاكم في المستدرك.

حكم صلاة من لم يدرك الجمعة مع الإمام


قد أجمع الفقهاء على أن الذي لم يدرك الجمعة مع الإمام فإنه يصليها كالظهر أربع ركعات.
ويتحقق إدراك الجمعة بإدراك ركعة منها؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» متفق عليه. وفي رواية أخرجها الإمام ابن خزيمة في صحيحه، وصححها الإمام الحاكم في المستدرك: «من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى».
ومع اتفاقهم على تحقق إدراك الصلاة بإدراك ركعة منها، إلا أنهم اختلفوا في الذي أدرك صلاة الجمعة مع الإمام لكن بعد الركوع الثاني منها.

اختلاف الفقهاء فيمن أدرك صلاة الجمعة مع الإمام بعد الركوع الثاني


ذهب جماهير الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، وهو رواية للإمام محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية، إلى أنه غير مدرك للجمعة ويصليها ظهرًا أربع ركعات، وهو قول بعض الصحابة كابن مسعود، وابن عمر، وأنس رضوان الله عليهم، وقول بعض التابعين كسعيد بن المسيب، والحسن، وعلقمة، والأسود، وعروة، والزهري، وبه قال الأوزاعي، والثوري، وإسحاق، والحسن بن حي، وعبد العزيز بن أبي سلمة، والليث بن سعد، وأبو ثور.
وقال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في “البناية”: إن من أدرك أقل الركعة الثانية بأن أدرك بعد ركوع الثانية، بنى عليها الظهر، أي يصلي أربع ركعات.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في “الاستذكار”: إن من لم يدرك ركعة تامة مع الإمام صلى أربعًا.
وقال الإمام ابن جزي المالكي في “القوانين الفقهية”: إذا لم يدرك المسبوق ركوع الركعة الأخيرة فدخل في السجود أو الجلوس فقد فاتته الصلاة كلها، فيقوم فيصليها كاملة، فإن جرى له ذلك في الجمعة صلاها ظهرًا أربعًا.
وقال الإمام النووي الشافعي في “المجموع”: المسبوق إذا أدرك مع الإمام ركعة أتم الجمعة، وإن لم يدرك ركعة أتم الظهر.
وقال الإمام موفق الدين ابن قدامة في “المغني”: أكثر أهل العلم يرون أن من أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام فهو مدرك لها، يضيف إليها أخرى ويجزئه. أما من أدرك أقل من ركعة، فإنه لا يكون مدركًا للجمعة، ويصلي ظهرًا أربعًا.

وذهب الإمام أبو حنيفة وصاحبه الإمام أبو يوسف رحمهما الله إلى أن من أدرك شيئًا من صلاة الجمعة مع الإمام ولو كان سجود السهو، فقد أدرك الجمعة، ويصليها حينئذ ركعتين فقط، وهو قول الأئمة النخعي، والحكم بن عتيبة، وحماد، وداود، وروي ذلك عن الضحاك.
ووجه ذلك: أن المأموم في هذه الحالة قد شارك الإمام في تحريمة الصلاة بدخوله الصلاة معه قبل أن يتحلل منها بالتسليم، إذ من المقرر شرعًا أن إحرام المصلي للصلاة يبدأ بتكبيرة الإحرام، وتحلله منها يكون بالتسليم؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» أخرجه الأئمة أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه.

والقول بإتمام الصلاة ركعتين هو قول الإمام زفر، وكذا الإمام محمد بن الحسن الشيباني في إحدى الروايتين، وذلك فيما لو أدرك ركنًا من الصلاة كالسجود أو التشهد، ووجه ذلك عندهما: أنه لم يخلُ من مشاركة الإمام في جزء من الصلاة، فبقي عليه إتمامها.
ومستند الحنفية ومن وافقهم فيما ذهبوا إليه من الإتيان بركعتين لمن أدرك الإمام في التشهد من صلاة الجمعة: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فإنه أفاد أن الواجب على المأموم الذي أدرك الإمام قبل أن يتحلل من صلاته بالتسليمة الأخيرة أن يتم ما فاته منها.

قال شمس الأئمة السرخسي الحنفي في “المبسوط”: ومن أدرك الإمام في التشهد في الجمعة أو في سجدتي السهو فاقتدى به فقد أدركها، ويصليها ركعتين في قول أبي حنيفة وأبي يوسف.
وقال الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في “بدائع الصنائع”: المسبوق إذا أدرك الإمام في الجمعة: إن أدركه في الركعة الأولى أو الثانية أو كان في ركوعها يصير مدركًا للجمعة بلا خلاف، وأما إذا أدركه في سجود الركعة الثانية أو في التشهد كان مدركًا للجمعة عند أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لوجود المشاركة في التحريمة، وعند محمد لا يصير مدركًا في رواية؛ لعدم المشاركة في ركعة، وفي رواية يصير مدركًا؛ لوجود المشاركة في بعض أركان الصلاة، وهو قول زفر.

وقال الإمام ابن المنذر في “الأوسط”: من أدرك التشهد يوم الجمعة مع الإمام صلى ركعتين، روي هذا القول عن النخعي، وبه قال الحكم، وحماد، وروي ذلك عن الضحاك، وبه قال النعمان.

هذا، وقد قرر الفقهاء أن الخروج من الخلاف مستحب، وأن العبادة إذا صحت عند الجميع لكان خيرًا من أن تصح عند طائفة وتبطل عند أخرى، ومثله أن صحتها عند الغالب الأعم من الفقهاء خير من صحتها عند عدد يسير منهم، وأن الأخذ بالاحتياط في العبادات أصل.

تم نسخ الرابط