كواليس ليلة الغضب بـ"الجبهة" بسوهاج: استقالات مفاجئة ورد من القيادة المركزية
ليلة هادئة على السطح... لكنها كانت تموج بالغليان في الكواليس.
في غضون ساعات قليلة، تحولت أروقة حزب الجبهة الوطنية بمحافظة سوهاج إلى ساحة نقاشات محتدمة بعد أن تقدّم عدد من قيادات الحزب باستقالاتهم الجماعية، وعلى رأسهم اللواء صلاح شوقي عقيل، أمين الحزب بالمحافظة، والمهندس نشأت محمد إسماعيل حسين، أمين التواصل الجماهيري، والدكتورة هبة محمد فهمي العطار، أمينة المرأة، إلى جانب أكثر من عشرة أمناء من مختلف الأمانات الفرعية.
الخبر انتشر سريعًا، وأشعل موجة من التساؤلات داخل الأوساط السياسية في الصعيد، خاصة أن الحزب كان يُنظر إليه باعتباره أحد أكثر الأحزاب انتظامًا واستعدادًا لخوض انتخابات مجلس النواب 2025.
من الأمل إلى الإحباط
اللواء صلاح شوقي عقيل، الرجل الذي كان يُعد أحد مؤسسي الحزب في سوهاج، قرر أن يضع نقطة النهاية بنفسه.
في بيان حمل نبرة من الأسى والعتب، أعلن استقالته قائلًا:
استدعيتكم يومًا ما بالقلب الحاني والعقل المتزن لنبني قواعد حزبنا في محافظتنا الحبيبة... كانت آمالنا أن نقيم حزبًا غير كل الأحزاب، لا فساد فيه ولا إفساد، لكننا تفاجأنا بتمثيل هزيل في مجلس الشيوخ، ثم صدمنا بتمثيل أسوأ في مجلس النواب، أقصى كوادرنا من الرجال والسيدات والشباب، مما أفقدنا الأمل في تحقيق طموحاتنا".
كلمات اللواء عقيل لم تكن مجرد بيان إداري، بل كانت صرخة إحباط من رجل رأى أن كوادر محافظته تم تهميشها في ترشيحات الحزب، رغم الجهود التنظيمية التي بُذلت خلال الشهور الماضية.
وبحسب مصادر داخل الحزب بالمحافظة، فإن الخلافات تصاعدت منذ إعلان الأسماء النهائية للمرشحين، حيث شعر عدد من القيادات بأن التمثيل النيابي لمحافظة سوهاج جاء أقل بكثير من حجم الحزب وتنظيمه هناك.
القيادة المركزية ترد: “لدينا فائض كفاءات لا أزمة تمثيل”
لم تمر ساعات حتى جاء الرد من القاهرة.
رئيس الحزب الدكتور عاصم الجزار عقد اجتماعًا عاجلًا مع عدد من القيادات، مؤكدًا أن ما حدث لا يعبّر عن أزمة داخلية بقدر ما هو "اختلاف طبيعي في وجهات النظر".
وقال الجزار إن عملية اختيار المرشحين خضعت لمعايير دقيقة، راعت الكفاءة والشعبية والتوزيع الجغرافي، مشيرًا إلى أن المشكلة الحقيقية لم تكن في نقص الكوادر، بل في زيادتها عن المقاعد المتاحة.
"لدينا عدد كبير من القيادات المتميزة، وكان من المستحيل تمثيل الجميع في الانتخابات... نحن نؤمن بأن كل قيادات الحزب نواب في مواقعهم، يشاركون في التشريع والرقابة والفكر السياسي من خلال اللجان النوعية والتنظيمية".
وأكد رئيس الحزب أن الجبهة الوطنية لا تسعى للأغلبية البرلمانية في الوقت الحالي، بل تسعى لترسيخ منهج المشاركة والعمل الجماعي، مضيفًا أن الانتخابات المقبلة ستكون فرصة لتوسيع المشاركة بعد تجربة التنظيم الأولى.
الأمين العام: “لم نعد أحدًا بمقعد.. ومن انضم بحثًا عن كرسي فليغادر”
على الجانب الآخر، جاء موقف الأمين العام للحزب السيد القصير حاسمًا وحازمًا.
فقد أوضح أن الاستقالات لا تتجاوز كونها "حالات فردية" وأن بعض المستقيلين لم يصدر لهم قرارات تعيين رسمية، مضيفًا أن الحزب يملك البدائل في كل المواقع.
وقال القصير بوضوح:"من انضم من أجل مقعد أو كرسي عليه أن يراجع نفسه... نحن لم نعد أحدًا بموقع عند تأسيس الحزب، لأننا نؤمن بالعمل الجماعي وليس بالمناصب. الحزب يتسع للجميع، لكن من يبحث عن مصلحة شخصية فلن يجد مكانه بيننا".
وأضاف أن الحزب بصدد إطلاق خطة دعم انتخابية متكاملة تشمل مؤتمرات جماهيرية كبرى، وحملة إعلامية موسعة، وبرنامجًا واضحًا لخمس سنوات قادمة، هدفها ترسيخ حضور الحزب سياسيًا وشعبيًا في كل المحافظات.
اختبار مبكر لحزب واعد
الاستقالات في سوهاج لم تكن مجرد أزمة تنظيمية، بل اختبار مبكر لنضج حزب حديث العهد بالانتخابات، يسعى إلى تثبيت أقدامه وسط منافسة سياسية محتدمة.
وبينما يرى البعض أن ما حدث قد يُضعف من تماسك الحزب في المدى القصير، فإن قياداته تؤكد أن "الرهان الحقيقي هو على المستقبل"، وعلى قدرة الجبهة الوطنية على تجاوز الخلافات وتحويل التجربة إلى درس في التنظيم والانضباط الحزبي.