ما حكم أداء صلاة الضحى في المسجد … وهل يزيد الأجر والثواب؟
أكدت دار الإفتاء أن السنن والنوافل ومنها صلاة الضحى الأصل فيها أن تؤدَّى في البيوت، ولا مانع شرعًا من صلاة الضحى في المسجد مع مراعاة الإجراءات التنظيمية التي تحددها الجهات المختصة بالمساجد.
حكم صلاة الضحى وبيان وقتها
من المقرَّر شرعًا أنَّ صلاة الضحى سنةٌ مطلوبةٌ على جهةِ الاستحبابِ؛ فعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِن أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِن ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِن الضُّحَى» رواه مسلم في “صحيحه”.
قال الحافظ ابن عبد البر في “الاستذكار”: هذا أبلغُ شيء في فضْل صلاة الضحى.
ووقت صلاة الضحى يبدأ من ارتفاع الشمس قدر رمحٍ إلى رمحين في عين الناظر إليها، ويُقدر بخمسٍ وعشرين دقيقة تقريبًا بعد شروق الشمس، وينتهي وقتها قبل زوال الشمس، ويُقدر بأربع دقائق قبل دخول وقت صلاة الظهر، مع مراعاة فروق التوقيت بحسب إحداثيات المكان.
وأفضله على المختار عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية: بعد مُضيِّ ربع النهار، وهو منتصف الوقت بين شروق الشمس وصلاة الظهر؛ لما أخرجه الإمام مسلم في “صحيحه” أن زيد بن أرقم رضي الله عنه رأى قومًا يُصلُّون من الضحى، فقال: أما لقد علموا أنَّ الصلاة في غير هذه الساعة أفضلُ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ»، والحكمة من كون أفضل وقتها بعد مضي ربع النهار ألَّا يخلو ربعٌ من النهار عن عبادةٍ يؤديها المكلَّف، كما في “كفاية الأخيار” للإمام تقي الدين الحِصني.
قال الإمام النووي في “شرح صحيح مسلم”: فيه فضيلةُ الصلاة هذا الوقت. قال أصحابنا: هو أفضلُ وقتِ صلاة الضحى وإن كانتْ تجوز من طلوع الشمس إلى الزوال.
أفضلية أداء صلاة الضحى في البيت ونصوص الفقهاء في ذلك
الأصل أنَّ صلاة النوافل في البيوت أفضلُ منها في المساجد مطلقًا؛ لما ورد من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلُّوا أَيُّهَا الناسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلَاةَ المَكْتُوبَةَ» أخرجه الإمام البخاري في “صحيحه”.
قال الحافظ ابن عبد البر في “الاستذكار”: فيه دليلٌ على أن الانفراد بكلِّ ما يعمله المؤمن من أعمال البرِّ ويستره ويُخفيه أفضلُ. ولذلك قال بعضُ الحكماء: إخفاءُ العلم هلكة، وإخفاء العمل نجاة.
وقال العلَّامة ابن المَلَك الكرماني في “شرح المصابيح”: هذا عامٌّ لجميع النوافل والسُّنن، إلا النوافل التي من شعائر الإسلام، كالعيد والكسوف والاستسقاء.
وقد تتابعت نصوص فقهاء المذاهب الأربعة المتبوعة على أفضليَّة أداء السنن النوافل في البيوت.
قال علاء الدين الحصكفي الحنفي في “الدر المختار”: والأفضل في النفل غير التراويح المنزل إلا لخوف شغلٍ عنها.
وقال العلَّامة ابن عابدين: قوله: والأفضل في النفل.. إلخ شمل ما بعد الفريضة.
وقال العلَّامة علي بن خلف المنوفي المالكي في “كفاية الطالب الرباني”: وهذا التفضيل الذي ذكرناه كله إنما هو في الفرائض، وأما النوافل ففعلها في البيوت أفضل على الصَّحيح.
قال العلامة العدوي: قوله: على الصَّحيح، ومقابله ما نقل عن مالك من أنَّ صلاة النوافل في هذه المواضع الفاضلة أفضلُ من صلاتها في البيوت.
وقال جلال الدين المحلِّي الشافعي في “شرحه على منهاج الطالبين”: قال البغوي وأفْضَلُه إلى بيْتِهِ؛ لحديث “الصحيحين”.
قال العلامة أحمد القليوبي: قوله: وأفضله إلى بيته أي: وفعلُ النَّفل في البيت أفضلُ منه في المسجد، ولو المسجد الحرام، ولمن بيته خارج الحرم.
وقال العلَّامة البهوتي الحنبلي في “شرح منتهى الإرادات”: وفعلُ السنن الكل الرواتب والوتر وغيرها ببَيْتٍ أفضلُ من فعلها بالمسجد.
حكم أداء صلاة الضحى في المسجد
أما أداء صلاة الضحى في المسجد فقد جعله فقهاء الشافعية هو السُّنة؛ لحديث أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الحَاجِّ المُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ المُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ» أخرجه أبو داود في “السنن”.
قال الإمام الخطَّابي في “معالم السنن”: تسبيح الضحى يُريد به صلاة الضحى، وكلُّ صلاة يتطوع بها فهي تسبيح وسبحة.
فيكون الحديث دالًّا على فضيلة صلاة الضحى في المسجد، فتكون من جملة المستثنيات من خبر: «أَفْضَلُ صَلَاةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةُ». يُنظر: “مرقاة المفاتيح” للملا عليٍّ القاري.
قال العلَّامة ابن حجر الهيتمي في “تحفة المحتاج”: وأفضله أي: الانتقال للنفل يعني الذي لا تسن فيه الجماعة ولو لمن بالكعبة والمسجد حولها إلى بيته؛ للخبر المتفق عليه: «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةُ»، ولأن فيه البعد عن الرياء وعود بركة الصلاة على البيت وأهله، كما في الحديث، ومحله: إن لم يكن معتكفًا، ولم يخف بتأخيره للبيت فوت وقت أو تهاونًا، وفي غير الضحى، وركعتي الطواف، والإحرام بميقات به مسجد، ونافلة المبكر للجمعة.
قال العلامة الشَّرواني: قوله: ومحله أي: محل كون النفل في البيت أفضل.
هذا، وفضيلة المسجد لا تُنافي أفضلية النافلة في البيت؛ لعدم الرِّياء، كما في “لمعات التنقيح” للعلَّامة الدهلوي، كما أن صلاة الضحى لا تختص بالمسجد كركعتي التحية، ولا يُشرع لها الجماعة.



