عاجل

اختلفنا أو اتفقنا حول مهرجان الجونة، لكنه يظل مناسبة مصرية خالصة تشع فخرًا في كل تفاصيلها، من الفكرة إلى الحضور، من أضواء البحر إلى أناقة الفنانين، من رؤية نجيب ساويرس النموذج المصري الناجح الذي جمع بين الطموح والذكاء والإيمان بدور الفن والثقافة، إلى أيدٍ مصرية تصنع كل ما نراه بصدقٍ وإتقانٍ يليق ببلدٍ علَّم العالم معنى الفن. في الجونة لا نشاهد مهرجانًا فقط، بل نرى ماضي مصر وحاضرها يسيران جنبًا إلى جنب، نسمع في الخلفية صدى أم كلثوم وهي تغني “مصر تتحدث عن نفسها”، ونشعر بروح فاتن حمامة في كل لقطة أنيقة، ونسمع نغمة عبدالحليم حين كان يغني للوطن وكأنه يعانق ترابه. هنا في الجونة تُستعاد روح السينما المصرية التي صدّرت الوعي والعاطفة لكل بيت عربي، فكم من فنان عربي لم نعرفه إلا من شاشة مصر، وكم من نجمٍ ولد في استديوهاتها وذاع صيته من القاهرة إلى كل العواصم. مصر التي منحت الفن روحه لا تنتظر من أحد أن يمنّ عليها بفرصة أو مشهد، لأن الفن فيها فطرة ووراثة وتاريخ لا يُمحى. وفي الوقت الذي يقرر فيه البعض الاستغناء عن الممثلين المصريين، ترد مصر بلا كلام، ترد بمهرجان الجونة، بحضورها الذي لا يُشبه إلا نفسها، وبفنانيها الذين لا يملكون إلا أن يبدعوا لأن الإبداع يسري في دمهم كما يسري النيل في عروقها. فمصر لا يُستغنى عنا، لأننا الأصل والبذرة، والنبض الذي منح الفن العربي حياته ومعناه. مصر التي تحتضن الجميع، تمد يدها بالفن والحضارة والثقافة لكل من يقصدها، تُعلّم وتُلهم وتُضيء الطريق. يكفي أن ترى كيف يفد العالم كله إلى أرضها كل عام، بحثًا عن هذا السحر المختلف، هذا البهاء الذي لا يُصنع في مكان آخر. فحين تتكلم مصر، يصمت الجميع احترامًا، وحين تُبدع، يصفق العالم. فهنا وُلد الفن، وهنا سيبقى، ما دام في الدنيا ضوء اسمه... مصر.

تم نسخ الرابط