ما الحكم لو صدر حكم بنزع حضانة الأم لوجود مانِع مِن موانِع الحضانة، ثم زال؟

أكدت دار الإفتاء أنه لا مانع شرعًا مِن أن تعود الحضانة للأم بعد سقوطها بحكم القضاء بسببٍ مانِعٍ، ما دام أنَّ هذا المانِع الذي كان سببًا في الحكم بسقوط الحضانة عنها قد زال، وحينئذٍ تكون أَوْلَى مِن غيرها مِن الحاضنات، على أن يكون تقدير وجودِ المانِع مِن الحضانة وزوالِه إلى القاضي.
المقصد من تنظيم شؤون الحضانة تحقيق مصلحة الصغير
نص الفقهاء على أن الحضانة وتنظيمها إنما هي ولاية لتربية المحضون والقيام بحقوقه والعناية بشؤونه، ولذلك أناطوا أحكام الحضانة بتحقيق مصلحة الصغير، وجعلوا حقه في الرعاية أقوى من حق حاضنه، فيقدم دائمًا، حتى إن الحاضنة تجبر على الحضانة إذا تعينت عليها، أو كان الصغير سيضيع دونها، أو كان لا يقبل غير ثديها، وكل هذا حتى لا يضيع المحضون، الذي هو الغاية والمقصد من تنظيم شؤون الحضانة.
هل تعود الحضانة للحاضنة بعد التنازل عنها أو بعد سقوطها؟
الأصل في الحاضنة، والأم على وجه الخصوص أنها صالحة لحضانة الصغير؛ وذلك لأن الله تعالى جبلها على وفور الشفقة وكمال الرعاية لطفلها، فإذا سقط حقها في حضانة الصغير لمانع من الموانع، ثم زال هذا المانع وأرادت رد حضانته إليها، وكان الولد لا يزال في سن الحضانة: كان لها ذلك، وصارت مقدمة على غيرها كما كانت قبل وجود المانع، وقد نص على ذلك جماهير الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
وقال الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع: ومنها أن لا تكون ذات زوج أجنبي من الصغير، فإن كانت فلا حق لها في الحضانة.. ولو مات عنها زوجها أو أبانها عاد حقها في الحضانة؛ لأن المانع قد زال، فيزول المنع، ويعود حقها، وتكون هي أولى ممن هي أبعد منها كما كانت.
وقال الإمام ابن عابدين الحنفي في العقود الدرية: سئل في حاضنة لصغار أسقطت حقها من الحضانة، وتريد الآن أخذ الصغار وتربيتهم، وهي أهل لذلك، فهل لها ذلك؟ الجواب: نعم، قال في التنوير: ولا تقدر الحاضنة على إبطال حق الصغير فيها -أي في الحضانة لها-، وفي شرحه: وهذا الحكم مصرح به في عامة الشروح والفتاوى.
وقال الإمام الدردير المالكي في الشرح الكبير: الحضانة إذا انتقلت لشخص لمانع ثم زال المانع، وقد مات أو تزوج المنتقل إليه فإنها تعود للأول.
وقال الإمام النووي الشافعي في روضة الطالبين: لو طلقت التي سقط حقها بالنكاح تثبت لها الحضانة لزوال المانع، وسواء كان الطلاق رجعيًا أو بائنًا، هذا هو نص المذهب.
وقال الإمام أبو السعادات البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: فإن زالت الموانع رجعوا إلى حقهم من الحضانة؛ لأن سبيلها قائم، وإنما امتنعت لمانع، فإذا زال المانع عاد الحق بالسبب السابق الملازم.
ولا يعترض على ذلك بالقاعدة الفقهية “الساقط لا يعود”؛ وذلك لوجود المقتضي للحكم وهو حقها في الحضانة، فيكون من قبيل القيد على القاعدة، فإذا زال المانع لوجود المقتضي للحكم عاد الحكم، وقد نص الحنفية على أن الأصل أن المقتضي للحكم إن كان موجودًا والحكم معدوم فهو من باب المانع، وإن عدم المقتضي فهو من باب الساقط، فيصير رجوع الحضانة للحاضنة مرة أخرى من قبيل زوال المانع وعودة الممنوع.
وقال العلامة ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق: والساقط لا يعود اتفاقًا، بخلاف حق الحضانة.
موقف القانون المصري من ذلك
على هذا الاتجاه سارت أحكام النقض المصرية، والتي قررت أن أحكام الحضانة ذات حجية مؤقتة، تقبل التغيير والتبديل وتجديد الحق، بسبب تغير دواعيها؛ فقد نص قضاء النقض على أن: الأصل في الأحكام الصادرة في دعاوى الحضانة أنها ذات حجية مؤقتة؛ لأنها مما تقبل التغيير والتبديل بسبب تغير دواعيها. (طعن رقم 524 لسنة 68ق).