في زمن باتت فيه العلاقات هشّة، والمشاعر مشروطة، يتراجع مفهوم الحب الحقيقي ليحلّ مكانه مزيجٌ من التوقعات الجامدة والمعايير القاسية. أصبح الخطأ – حتى وإن كان غير مقصود – سببًا كافيًا للهدم، لا فرصة للفهم. وكأن القلوب لم تُخلق لتخطئ، أو كأن العلاقة الإنسانية لا تحتمل العثرة.
لكن الحقيقة البسيطة التي نغفل عنها كثيرًا هي أن من يحبك بحق، يغفر لك دون أن تطلب، ويسندك دون أن تبرر، ويحتويك في ضعفك قبل قوتك.
الحب ليس استعراضًا للكمال، ولا اختبارًا دائمًا للجدارة. بل هو ملاذ آمن، تجد فيه من يرى الحقيقة خلف تصرفاتك، من يسمع صوت قلبك وسط ضجيج الخطأ. الحب الصادق يُدرك أن الزلات جزء من طبيعتنا، وأن الرفق خير من القسوة، وأن التماس العذر فضيلة لا ضعف.
الغفران هو الاختبار الحقيقي للحب
من يحبك لن يتصيد هفواتك، بل سيحاول فهم دوافعها. سيواجهك بنُبل لا بتوبيخ، ويُعاتبك بحب لا بجفاء. سيمدّ لك يده إذا سقطت، لا ليحاسبك، بل لينهض بك. فهناك فرق كبير بين من يُراقبك ليُدينك، وبين من يُراقبك ليحميك.
الحب الذي يُسقطك عند أول أزمة، ليس حبًا.
الحب الذي يُشعرك بالذنب أكثر من الأمان، ليس حبًا.
الحب الذي يجعلك تخشى الخطأ، بدل أن يمنحك مساحة للتعلم، ليس حبًا.
في وقت الشدة... يظهر معدن القلوب
عندما تضيق بك الحياة وتشتد المحن، لن تنسى أبدًا من كان بجانبك. لن تنسى من خفّف عنك، من استمع إليك دون حكم، من غفر لك دون أن يذكّرك بخطئك في كل مناسبة.
ففي أوقات الشدة تنكشف حقيقة العلاقات. هناك من يقف في الظل يراقبك تتألم بصمت، وهناك من يتقدم دون أن يُدعى، فقط لأنه لا يحتمل رؤيتك تسقط.
من يحبك بحق، يكون لك ظهرًا وقت العثرة، وصوتًا وقت الصمت، وسندًا وقت الحاجة. لا ينسحب من حياتك لأنك أخطأت، بل يقترب أكثر لأنه يعلم أنك في أمسّ الحاجة لمن يحتويك.
الحب ليس أن نجد من يملأ حياتنا بالكلمات الجميلة، بل أن نجد من يغفر لنا بصدق، لا بدافع الواجب، بل بدافع المحبة. فالغفران فعل عظيم، لا يقدر عليه إلا من امتلك قلبًا واسعًا، ونية صافية، وحبًا لا تزعزعه الهفوات.
ولذا...
من لا يغفر لك، لا يحبك كما يزعم. ومن يحبك، لا يجعلك تخاف من أن تكون إنسانًا.