أدخنة مكامير الفحم تخنق أهالي دمياط الجديدة وسط غياب الرقابة البيئية

تشهد مدينة دمياط الجديدة منذ عدة أشهر معاناة متزايدة بسبب انتشار مكامير الفحم داخل نطاقها السكني، في ظاهرة أصبحت تمثل خطرًا بيئيًا وصحيًا واضحًا على المواطنين، وسط غياب شبه تام للرقابة البيئية أو التدخل الحاسم من الجهات التنفيذية المختصة.
فالأدخنة الكثيفة المنبعثة ليلًا من تلك المكامير تحجب الرؤية في شوارع المدينة وتخنق الهواء النقي الذي كانت تشتهر به دمياط الجديدة، مما حول الحياة اليومية للسكان إلى معركة يومية مع التلوث.
وأكد عدد من سكان المدينة، خاصة في مناطق الحي الرابع والخامس وبعض أطراف المنطقة الصناعية، أن الأدخنة الناتجة عن حرق الأخشاب والفحم تتسلل إلى المنازل ليلًا وتؤدي إلى حالات اختناق متكررة بين الأطفال وكبار السن.
وأشاروا إلى أن استمرار تشغيل هذه المكامير دون تراخيص أو التزام بالاشتراطات البيئية يمثل إهمالا واضحا من المسؤولين، خاصة أن هذه الممارسات تخالف القوانين المنظمة لحماية البيئة والصحة العامة.
يقول “محمد.س”، أحد سكان الحي الرابع: “إحنا بقينا مش عارفين نفتح الشباك بالليل من كتر الدخان، ريحة الفحم بتدخل البيوت وتسبب لنا صداع وكحة مستمرة، والمشكلة إن محدش بيتحرك رغم شكاوينا المتكررة للحي والمحافظة”، بينما تضيف “دعاء.ع”، ربة منزل: “أطفالي بيعانوا من حساسية صدر بسبب الأدخنة، ووديتهم أكثر من مرة للطبيب، وكل مرة نفس السبب وهو التلوث من المكامير”.
من جانبه، أكد عدد من العاملين السابقين في هذه المكامير أن أصحابها يستغلون ضعف الرقابة، ويشغلونها في ساعات متأخرة من الليل لتفادي الحملات التفتيشية، مشيرين إلى أن معظمها غير مرخص وتعمل بطرق بدائية تسبب انبعاثات كثيفة من الغازات السامة الناتجة عن احتراق الأخشاب دون تهوية كافية.
ويشير خبراء البيئة إلى أن أدخنة مكامير الفحم تحتوي على نسب عالية من غاز أول أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين، وجزيئات الكربون الدقيقة، وهي مكونات سامة تؤثر بشكل مباشر على الجهاز التنفسي وتزيد من خطر الإصابة بالأمراض الصدرية والسرطانية على المدى الطويل.
ورغم وجود قرارات سابقة من وزارة البيئة ومحافظة دمياط بإزالة المكامير العشوائية ونقلها إلى مناطق صناعية مخصصة بعيدًا عن التجمعات السكنية، إلا أن التنفيذ ما زال محدودًا.
ويرجع الأهالي سبب استمرار الظاهرة إلى ضعف المتابعة وغياب تطبيق القانون، ما جعل أصحاب المكامير يشعرون بالأمان من المساءلة.
وفي محاولة لمعالجة الأزمة، طالب سكان المدينة محافظ دمياط الدكتور أيمن الشهابي بالتدخل العاجل وإرسال لجان مشتركة من البيئة والوحدات المحلية لإغلاق المكامير المخالفة، مع فرض غرامات رادعة على أصحابها، مؤكدين أن صحة المواطنين لا يجب أن تكون محل تفاوض أو تهاون.
كما طالبوا بضرورة وضع خطة شاملة لتدوير المخلفات الزراعية واستخدام بدائل صديقة للبيئة في إنتاج الفحم النباتي، مع دعم المشروعات الصغيرة التي تستخدم تكنولوجيا الحرق النظيف، بما يضمن استمرار الإنتاج دون الإضرار بالبيئة أو المواطنين.
من جانب آخر، دعا عدد من النشطاء البيئيين إلى ضرورة تفعيل دور المجتمع المدني في رصد الانتهاكات البيئية وتوثيقها، وتقديم بلاغات رسمية مدعمة بالصور والفيديوهات لتسريع تحرك الجهات المعنية، مشيرين إلى أن التوعية المجتمعية أصبحت عاملًا رئيسيًا في مواجهة التلوث المتزايد داخل المدن الجديدة.
وبينما ينتظر المواطنون تدخلًا عاجلًا من الأجهزة التنفيذية، تبقى الأدخنة السوداء التي تغطي سماء دمياط الجديدة كل ليلة شاهدًا على إهمال متواصل، يدفع ثمنه الأهالي من صحتهم وجودة حياتهم، ويأمل سكان المدينة أن يتحول صمت الجهات المسؤولة إلى تحرك فعلي يضع حدًا لمعاناتهم ويعيد للمدينة صورتها كواحدة من أنظف وأجمل مدن محافظة دمياط.


