حكاية إنسانية.. الحاج أحمد وحلمه البسيط: أريد «كشك» يسترني في آخر حياتي

الحاج أحمد حمامة هو رجل بسيط من مدينة طنطا في محافظة الغربية، يبلغ من العمر خمسة وسبعين عامًا.. في شبابه كان من أمهر النقاشين وصنايعيًا معروفًا في منطقته بالجدعنة والشطارة .. كان رزقه واسعًا وبيته مليئًا بالخير، وكان دائمًا يقول إن "الشغل الحلال بيبارك في العمر".
لكن الزمن دارت دايرته واتقلبت الأحوال. مع كبر السن وبداية ضعف الجسد، أصبح عاجزًا عن حمل الفرشة أو الطلاء، ولا عن صعود السلالم التي كان يقف عليها لساعات لتلوين الحيطان وصنع لوحات جميلة للأشخاص الذين يحبهم.
قسوة الحاجة
كبر الحاج أحمد، ولم يكن لديه زوجة أو أولاد يسندونه في آخر أيامه .. ولم يكن يعتمد على معاش، فأصبح من رجل كان يكتسب رزقه من عرق جبينه، إلى إنسان يبحث عن لقمة يسد بها جوعه من صناديق الزبالة. وهذا لم يكن بسبب قلة كرامته، بل بسبب قسوة الحاجة التي جعلت رجلًا أفنى عمره في العمل الشريف يتنقل بين القمامة ليحصل على بقايا الطعام ليعيش من يوم لآخر.
شغل بسيط أستر
يقول الحاج أحمد بصوت خافت وهو جالس على الرصيف: "أنا مش بطلب صدقة ولا إحسان، أنا عاوز شغل بسيط أستر نفسي بيه، حتى لو كشك صغير أبيع فيه أي حاجة أعيش منها. أنا طول عمري بأكل من عرقي، ومش عاوز أموت وأنا بأكل من الزبالة. نفسي حد من المسؤولين يسمعني ويشوفني، مش أكتر".
أهالي المنطقة يعرفون الحاج أحمد جيدًا.. يقولون عنه إنه رجل طيب وهادئ، ولم يمد يده لحد في حياته. كان دائمًا يساعد الآخرين حتى في أوقات تعبه. لكن الأيام قد جَعلت الوحدة والألم يثقلان عليه، لا أحد يزوره ولا يسأل عنه.. كل ما يتمناه الآن هو أن يعيش آخر أيامه بكرامة بعيدًا عن نظرات الشفقة.
القصة الإنسانية
هذه القصة الإنسانية ليست مجرد حكاية عن رجل مسن، بل هي مرآة تعكس وجع كثير من الناس الذين بذلوا حياتهم في بناء البلد بأيديهم، وعندما تقدم بهم العمر، تم نسيانهم ولم يعد أحد يتذكر تعبهم. رسالة الحاج أحمد واضحة وصريحة، وتؤلم القلب. يقول فيها: "نفسي المحافظ أو أي مسؤول يشوف وضعي ويوفر لي كشك صغير أستر نفسي بيه، لحد ما ربنا يفتكرني".
حكاية الحاج أحمد حمامة تذكّرنا أن الرحمة ليست صدقة، وأن الكرامة هي الأغلى. الراجل هذا لا يطلب الكثير، هو فقط يريد أن يعيش بكرامة في آخر أيامه، بعيدًا عن الزبالة التي أصبحت ملجأه الأخير. ربما يصل صوته إلى من يسمعه قبل أن يتحول وجعه إلى ذكرى ثانية في دفتر الإهمال.