ضم في صمت.. إسرائيل تعيد تشكيل الضفة الغربية بآليات جديدة
تشهد الضفة الغربية تحوّلاً استراتيجياً لافتاً في السياسة الإسرائيلية، وسط تصعيد متسارع تقوده أوساط اليمين الحاكم نحو إعادة هيكلة السيطرة على الأرض الفلسطينية، بأسلوب لا يعتمد على الضم القانوني الصريح، بل على خطوات ميدانية وتشريعية تكرس واقعاً جديداً يصعب التراجع عنه.
ويصف مراقبون هذا المسار الجديد، بأنه ضم صامت ، حيث لا يلقى إجماعاً كاملاً داخل حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وتتباين مواقف أقطابها بين اندفاع وزراء اليمين القومي والديني المتطرف، وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش، وتحفظ تكتيكي يقوده رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الحريص على تجنب الاصطدام المباشر مع الولايات المتحدة وبعض الأطراف الإقليمية.

هندسة قانونية لإعادة تشكيل السيطرة على الضفة
شهدت جلسات الكنيست الأخيرة طرح مشاريع قوانين تستهدف تفكيك "الإدارة المدنية" التابعة للجيش في الضفة الغربية، بهدف نقل صلاحياتها إلى الوزارات المدنية الإسرائيلية، في خطوة إدارية تُعتبر تمهيداً فعلياً لضم المناطق المصنفة "ج"، التي تُشكّل حوالي 60% من الضفة الغربية.
ولا يحتاج هذا النهج إلى إعلان قانوني رسمي، بل يستند إلى بناء تدريجي لبنية قانونية جديدة، تجعل السيطرة الإسرائيلية على هذه المناطق أمراً واقعاً بحكم الممارسة لا النصوص.
ومن الملفت أن هذا التوجه يحظى بدعم واسع داخل الكنيست، وهو ما ظهر في تصويت رمزي مؤيد لفكرة الضم، حيث حاز المقترح على 71 صوتاً مقابل 13، رغم أن التصويت لم يكن ملزماً، ما يعكس الرغبة في ترسيخ الضم من دون إعلان رسمي يسبب توترات دبلوماسية.

سموتريتش يمضي قدماً.. ونتنياهو يوازن
يمارس بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية والمسؤول عن الشؤون المدنية في الضفة الغربية داخل وزارة جيش الاحتلال، نفوذاً تنفيذياً متزايداً في هذا الملف، مستغلاً موقعه لتمرير خطط تشمل شرعنة البؤر الاستيطانية، وتوسيع البناء الاستيطاني، وفرض وقائع على الأرض تعزز المشروع الاستيطاني الشامل.
وتتضمن خطته التي كشف عنها مطلع سبتمبر الماضي ضم ما يقارب 82% من أراضي الضفة، مع استثناء 6 مدن فلسطينية كبرى، بما يعكس نية واضحة لتفكيك أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي.
من بين المشاريع الحيوية التي يدفع بها سموتريتش، إقامة 3,400 وحدة استيطانية في منطقة E1 الواقعة بين القدس ومستوطنة معاليه أدوميم، وهو مشروع استراتيجي لطالما أثار اعتراضاً دولياً لما يمثله من قطع فعلي للتواصل الجغرافي الفلسطيني بين شمال الضفة وجنوبها.
في المقابل، يواصل نتنياهو انتهاج سياسة "الإدارة المرحلية"، متيحاً تمرير الخطوات الميدانية بهدوء، لكنه يتجنب الخطاب العلني حول الضم الرسمي، إدراكاً منه لحساسية الموقف مع الولايات المتحدة وتبعاته المحتملة على مسار التطبيع مع شركاء إقليميين.

موقف أمريكي حذر من ضم الضفة
وأكدت مصادر دبلوماسية أمريكية في تصريحات صحفية أن إدارة واشنطن تتابع بدقة التطورات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتعتبرها تجاوزاً للخطوط الحمراء، حتى وإن تم تغليفها بغطاء إداري أو قانوني.
وترى واشنطن أن الخطوات الإسرائيلية الحالية لا تندرج تحت مظلة إصلاح إداري، بل تعد تهيئة مباشرة لضم فعلي، محذرة من أن هذه السياسات ترسل إشارات سلبية تضع حلفاء الولايات المتحدة في موقف دفاعي، وتعيد طرح التساؤلات حول جدوى اتفاقيات السلام الإقليمية، خصوصاً اتفاقات أبراهام.
وأضافت المصادر الأمريكية أن اللحظة الراهنة لا تسمح بمجازفات أحادية، مشيرة إلى أن إسرائيل تتعامل مع الظروف الحالية كنافذة فرص، بينما تعتبرها واشنطن مرحلة شديدة الهشاشة إقليمياً، تستدعي ضبط النفس والتنسيق.
كما لوحت المصادر إلى أن "أي تغيير أحادي في الوضع القائم ستكون له تداعيات على أدوات التعاون الأمريكي–الإسرائيلي، خصوصاً في ملفات حساسة مثل الدفاع الإقليمي والتنسيق الأمني والاستخباراتي".
رفض فلسطيني ومخاوف عربية من تفجر الوضع
فيما أكد مصدر سياسي فلسطيني مطلع على الاتصالات الإقليمية، أن المزاج السياسي العربي ينظر إلى الخطوات الإسرائيلية الأخيرة باعتبارها تجاوزاً خطيراً لتفاهمات سابقة، ويضع المنطقة أمام اختبار حقيقي للصبر والتهدئة.
وبحسب المصدر، فإن العواصم العربية لن تكون قادرة على تجاهل الخطوات الإسرائيلية إذا ما استمرت بهذا النهج، خصوصاً أن الضم ولو تم بصيغة إدارية يفسر كضرب لفكرة الدولة الفلسطينية، وتفريغ لحل الدولتين من مضمونه.
وأضاف: "إسرائيل تراهن على تراجع مركزية القضية الفلسطينية في الخطاب العربي، لكنها قد تصطدم بردود فعل مفاجئة، خاصة إذا ترافقت هذه الإجراءات مع تصعيد ميداني في غزة أو تغييرات في الموقف الأمريكي".
كما يرى المصدر أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تسعى إلى انتزاع اعتراف بالأمر الواقع، بعيداً عن أي مسار تفاوضي، مستندة إلى تغيرات إقليمية ودولية، لكنه حذر من أن سياسات فرض الأمر الواقع قد لا تمر بهدوء، وقد تدفع إلى جمود سياسي واقتصادي حتى من دون مواقف صدامية مباشرة.



