عاجل

بلطجة"السايس" في الشوارع.. فرض إتاوات وترويع المواطنين: إلى متى تستمر الفوضى؟

سايس
سايس

تحولت مهنة "السايس" في الشوارع من عمل يفترض به تنظيم حركة السيارات ومساعدة المواطنين، إلى ظاهرة مقلقة من البلطجة وفرض السيطرة والإتاوات على أصحاب السيارات، في مشهد بات يتكرر يوميًا أمام المستشفيات والمحال التجارية والمناطق الحيوية دون أي سند قانوني أو ترخيص رسمي.

بلطجة السايس في الشوارع

وقد كان أحدث تلك الوقائع في منطقة الهرم بمحافظة الجيزة، حيث تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، اليوم الخميس، مقطع فيديو أثار حالة من الغضب والاستياء، يظهر فيه أحد الأشخاص العاملين كـ"سايس" أمام مستشفى الهرم وهو يطالب أحد قائدي السيارات بدفع 20 جنيهًا مقابل التوقف أمام المستشفى في انتظار أحد أقاربه المرضى.

ورغم أن المكان شارع عام وليس ملكا لأحد، فوجئ السائق بالرجل يتحدث معه بنبرة تهديدية قائلاً: أنا اللي بمسك الشارع ده بقالى عشرين سنة، تدفع بالعافية ولا تمشي، قبل أن يتطور الأمر إلى سباب وألفاظ نابية أمام المارة، في محاولة لترهيبه وإجباره على الدفع.

 

الفيديو الذي انتشر بسرعة البرق، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات غاضبة من المواطنين الذين عبروا عن استيائهم من تصرفات هؤلاء السُيّاس الذين حولوا شوارع مصر إلى مناطق نفوذ خاصة بهم، يتحكمون فيها كما يشاؤون، يفرضون الأسعار، ويهددون كل من يرفض الدفع، وطالب كثيرون بتدخل الأجهزة الأمنية والقبض على السايس المتعدي، مؤكدين أن ما يحدث هو شكل صريح من أشكال البلطجة وفرض الإتاوات في الطريق العام.

 

وفي واقعة مشابهة أخرى، شهدت شوارع الجيزة مقطع فيديو متداولا يظهر "سايس" آخر يجبر أحد قائدي السيارات على دفع مبلغ مالي دون وجه حق، مستخدم أسلوب عدواني أقرب إلى التهديد والمضايقة، وقد  ظهر الرجل في المقطع يتحدث بحدة، رافعا صوته ومقتربا من السيارة بطريقة استفزازية، ليرهب المواطن ويجبره على الدفع، رغم أن الأخير حاول توضيح أنه لا يمانع الركن بشكل قانوني إن كانت هناك جهة رسمية تدير المكان.

فالمقطع الثاني لم يقل إثارة عن الأول، إذ أظهر بوضوح مدى تغلغل ظاهرة السايس غير المرخص في الشوارع، وتحولهم إلى ما يشبه العصابات الصغيرة التي تحتكر مناطق معينة وتتعامل مع المواطنين كأنهم زبائن إجباريين، وهو ما دفع العديد من رواد مواقع التواصل الأجتماعي، مطالبين الدولة بتفعيل القوانين التي تجرم ممارسة المهنة دون ترخيص رسمي من الوحدات المحلية.

 

وبالفعل، أجهزة الأمن بالجيزة تحركت بسرعة لفحص الواقعتين، وبدأت في تحديد هوية المتهمين واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لضبطهم. وأكدت مصادر أمنية أن مثل هذه التصرفات لن يتم السكوت عليها، وأن كل من يثبت تورطه في فرض إتاوات أو تهديد المواطنين سيحاسب بالقانون.

 

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى يظل المواطن عرضة للابتزاز في الشارع العام؟ 

هل يعقل أن يدفع المواطن أموالًا لمجرد أن يركن سيارته في شارع من المفترض أنه ملك للدولة؟.. وكيف تحول "السايس" من شخص يساعد على تنظيم المرور إلى بلطجي يفرض سطوته على الناس؟

 

القانون المصري كان قد نظم بالفعل مهنة "السايس" من خلال ما يعرف بقانون تنظيم انتظار المركبات في الشوارع، والمعروف بـ"قانون السايس" فهذا القانون وضع ضوابط صارمة لمزاولة المهنة، من بينها الحصول على ترخيص من الحي أو الوحدة المحلية، وتحديد مناطق معينة للانتظار بإشراف رسمي، مع التزام العاملين بارتداء زي مميز وحمل بطاقة تعريف، لكن الواقع يؤكد أن غالبيتهم يعملون دون تراخيص، وأن كثيرًا من الشوارع تحولت إلى "عزبة" خاصة بهم يفرضون فيها إتاوات كيفما يشاؤون.

 

المشكلة لم تعد في السلوك الفردي فحسب، بل أصبحت ظاهرة تهدد الأمن المجتمعي وتشوه صورة الشارع المصري، فالمواطن الذي يتعرض للتهديد يوميا من "سايس" بلا رخصة، لن يشعر بالأمان أو بالثقة في تطبيق القانون،  كما أن هذه الممارسات تمثل نوع من الاستيلاء على المال العام، فحق استغلال الشوارع العامة يجب أن يعود إلى خزينة الدولة وليس إلى جيوب أشخاص يمارسون الفوضى باسم المهنة.

 

الأدهى من ذلك أن بعض هؤلاء السُيّاس يدعون السيطرة على الشارع منذ سنوات طويلة، وكأنهم يملكونه، فيردد أحدهم: أنا هنا من عشرين سنة.. الشارع ده بتاعي، وكأن الزمن منحهم صك ملكية للطريق العام،  وهي ثقافة خطيرة ترسخ للبلطجة وتجاوز القانون، وتحتاج إلى مواجهة حاسمة من الدولة والمجتمع معًا.

لقد آن الأوان لتطبيق القانون بحزم على كل من يتعامل مع المواطنين بإستعلاء وبلطجة وفرض نفوذ، وأن تكون هناك حملات أمنية مكثفة لضبط السُيّاس غير المرخصين في شوارع القاهرة والجيزة وبقية المحافظات، مع تشديد العقوبات على من يثبت تورطه في فرض إتاوات أو تهديد المواطنين.

وفي النهاية، يبقى الشارع ملك للدولة، وليس لعصابات تفرض سيطرتها عليه،  فمهنة "السايس" إن كانت موجودة لتنظيم المرور ومساعدة الناس، فلتكن وفق القانون، أما من يمارسها ببلطجة وإرهاب، فمكانه الطبيعي خلف القضبان.

تم نسخ الرابط